الجمعة، 2 ديسمبر 2016

تفسير مريم 5

تفسير سورة مريم 51 ذكر الأنبياء: 
قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى، إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ، إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ، وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا، إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً، فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ، إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً * لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً، وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً * تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً * وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً * رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً *) [سورة: مريم - الآية: 51-65].

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا) بفتح اللام على أن الله تعالى أخلصه، أي اصطفاه، وقرأ الجمهور "مخلِصا" بالكسر، من الإخلاص في العبادة (وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) أي من رسله وأنبيائه، أي مرسلاً من جهة الله تعالى إلى الخلق بتبليغ ما يشاء من الأحكام، والنبي: المنبئ عن الله تعالى بالتوحيد والشرائع (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) حين رأى نارا فقال لأهله: امكثوا، فذهب يبتغي من تلك النار قبسا (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) من المناجاة المسارَّة بالكلام (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا) وذلك لما سأل ربه أن يعينه ويؤازره بأخيه، لتبليغ رسالته إلى آل فرعون، قال: "وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي رِدءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون" (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) روي أنه لم يَعِد ربه عِدَة إلا أنجزها، وما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها ووفاها حقها (وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) أي رضي الله عنه لاستقامة أقواله وأفعاله (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) هو شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى، وروي أنه رفع إلى السماء، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) أي اصطفيناهم (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) بكيا جمع باك (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ) أي بإخراجها عن وقتها والإخلال بأركانها وخشوعها، وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) أي أقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، والغي كما روي: نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهل النار، والغي في الأصل الضلال، المعنى جزاء غيهم، أي سيلقون خسارا يوم القيامة (إِلاَّ مَن تَابَ) من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات (وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً) لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا (جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي جنات إقامة (ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ) أي فهي من الغيب الذي يؤمنون به (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً) أي منجزا، يأتيه من وعِد له لا محالة، (لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً) ليس فيها كلام ساقط تافه (إِلاَّ سَلاَماً) استثناء منقطع، أي لكن يسمعون سلاما (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) أي دائم  ينقطع (تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً) أي يتقي الله بطاعته في فعل ما أمر وترك ما نهى  (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ " فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك" (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا) ما قدامنا من الزمان المستقبل (وَمَا خَلْفَنَا) من الزمان الماضي (وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ) أي من الزمان الحال، فلا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره سبحانه ومشيئته عز وجل (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) أي أنه محيط بكل شيء علما، أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ولم يكن عن ترك الله تعالى لك (رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) أي اصبر على مشاقها ولا تحزن بإبطاء الوحي وكلام الكفرة، فإنه سبحانه يراقبك ويراعيك ويلطف بك في الدنيا والآخرة (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) مثلا أو شبيها.

الخميس، 1 ديسمبر 2016

مريم 4

تفسير سورة مريم 41 ذكر إبراهيم عليه السلام: 
قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ، لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ، سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ، وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا، وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا *) [سورة: مريم - الآية: 41-50].

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ) أي اتلُ على قومك قصته (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) أي ملازم الصدق نبيا من أنبيائه (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ) أي من الأصنام (وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) أي لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررا (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) أي وإن كنت أصغر منك (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) أي طريقا مستقيما موصلا إلى نيل المطلوب والنجاة من المكروه (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ) لأن عبادة الأصنام هي عبادة له، لأنه هو الآمر بها (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) أي مخالفا مستكبرا عن طاعة ربه، فطرده وأبعده، فلا تتبعه فتصيرَ مثله؛ (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) أي قريناً تليه ويليك في العذاب، (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ، لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) لئن لم تنته عما أنت عليه من النهي عن عبادتها والدعوة إلى ما دعوتني إليه لأرجمنك بالحجارة (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) معطوف على مقدر، أي: أي فاحذرني واتركني دهرا طويلا (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ) لا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) لطيفا، يستجيب دعائي ويهتم بأمري، حيث هداني لعبادته والإخلاص له، (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها (وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا) خائباً ضائع السعي (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ) أي ابنه إسحاق وابن ابنه يعقوب بن إسحاق (وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا) أي كل واحد من إسحق ويعقوب أو هما وإبراهيم (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا) النبوة أو ما هو أعم منها من خيري الدنيا والآخرة (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) أي ذكرا وثناء فيمن بعدهم، وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وإن محامدهم لا تخفى.