السبت، 27 مايو 2017

تفسير سورة النور 2

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *) [سورة: النور - الآية: 11-18].
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ) أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، والمراد به ما رُميت الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما هو مبين في الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما. (عُصْبَةٌ مِّنكُمْ) أي جماعة من أهل ملتكم، سواء كان كذلك، أو بحسب الظاهر، (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) وذلك لأن هذا الابتلاء كان بحكمة ربانية وسيعقبه الفرج، وستنالون عليه الثواب العظيم، وتظهر كرامكتم على الله عز وجل بإنزال القرآن في شأنكم (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي جزاء وعقابه بقدر ما خاض فيه (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) أي معظم الإفك، وهو عبد الله بنُ أُبي ابنُ سلول المنافق، ( لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) بجعله في الدرك الأسفل من النار (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) خطاب للخائضين في الإفك من المؤمنين عدا من تولى كبره (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا) أي خيرا بأهل ملتهم النازلين منزلة أنفسهم، فيظنون بإخوانهم المؤمنين مثل ما يظنون بأنفسهم (وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) أي ظاهر كونه إفكا (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء) يشهدون على ثبوت كما قالوا (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) أي محكوم عليهم بالكذب في شريعته (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا) بعدم معاجلتكم بالعقوبة وإمهالكم للتوبة (وَالْآخِرَةِ) بالعفو والمغفرة (لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ) أي بسبب ما خُضتم فيه (عَذَابٌ عَظِيمٌ) (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) أي إذ يتلقاه بعضكم من بعض وتسألون عنه (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا) أي سهلا لا تبِعةَ له (وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) لا يُقادر قدرُه في الوزر، وفي الصحيح: أن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالا، يهوي بها في النار سبعين خريفا، (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا) أي لا يحق لنا أن نتكلم بما لا علم لنا به (سُبْحَانَكَ) تعجب مما تفوهوا به، وأصله أن يقال عند رؤية ما يتعجب منه تنزيها له سبحانه عن أن يكون شيء خارجا عن قدرته (هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) البهتان هو ما يبهت ويحير صاحبه، ويطلق في الغالب على  أفظع الكذب (يَعِظُكُمُ اللَّهُ) كراهةَ (أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بجميع أحوال عباده حكيم في جميع أفعاله، ومن جملتها ما ابتلى به الصديقة عائشة رضي الله عنها من أهل الإفك.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *) [سورة: النور - الآية: 19-20]
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ) أي تنتشر (الْفَاحِشَةُ) أي الخصلة القبيحة المفرطة في القبح، وهي الزنا (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أي يعلم ما في قلوبهم مما يُكنونه من البغض للمؤمنين فيعاقبهم عليه (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) والجواب محذوف لظهوره: أي لولا رأفته ورحمته وفضله عليكم لعاجلكم بالعذاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق