الأحد، 21 مايو 2017

تفسير سورة النور

تفسير سورة النور
(سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ *) [سورة: النور - الأية: 1-3])
(سُورَةٌ) أي عظيمة، لما تضمنته من الأحكام الشرعية (أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا) أي فرضنا أحكامها، أي الأحكام المذكورة فيها، وأوجبناها (وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) أي واضحة الدلالة على الأحكام المنوطة بها، وتَكرار الإنزال لبيان كمال العناية بشأن هذه الأحكام (لَّعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ) أي فتعملوا بموجب هذه الأحكام وتتقوا ما حرم عليكم (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) أي مما يتلى عليكم حكم الزاني والزانية، فهما مبتدأ على حذف مضاف، أو التقدير: أما حكم الزاني والزانية (فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) الجلد هو ضرب الجلد، وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالأيدي والعصي والجريد والنعال، وكان الجلد بالسياط في زمن عمر بن الخطاب، ومذهب مالك أن ينزع عن الزاني ثيابه غير ما يستر عورته، ويزاد على الجلد أن يتم تغريبه ونفيه عاما كما ثبتت به السنة، وهذا الحكم بالنسبة للبكر، وأما الثيب فإنه يرجم حتى الموت. (وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) بأن يُجلدا جلدا غير مؤلم أو يجلدا أقل من مائة، وهذا بعد ثبوت الحد عند الحاكم، أما قبله فقد أمر النبي صلى الله عليه أصحاب الحدود أن يستروا على أنفسهم (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إذ الإيمان بالله يقتضي عدم التواني في حدوده (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، اثنان فأكثر على القول المشهور لمالك، (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وهذا على التنفير والتقبيح، لأن من زنى من شأنه أن يعود، كما أنه يعرض نفسه للتهمة والطعن في النسب وغيرها من المفاسد، ويؤيده أن الزاني إذا تاب وأصلح تاب الله عليه، ثم أيضا الزانية المسلمة لا يجوز أن يتزوجها مشرك.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة: النور - الأية: 4-5]
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) أي العفيفات أي يرمونهن بالزنا (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) فتبطل شهادته في المسلمين (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أي خارجون عن الطاعة متجاوزون الحد (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) أي رجعوا عما قالوه وندموا (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي يتجاوز عن الذنوب ويقبل توبة التائبين ويحسن إلى العباد بإفاضة رحمته إذا تابوا إليه.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَع شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * ويدرأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ *) [سورة: النور - الأية: 6-10].

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) أي بالزنا (وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ) (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) وقرأ الأكثر: أربعَ بالنصب، (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) يعني يقسم بالله إنه لصادق فيما رماها به من الزنا، بدليل عدم قبول شهادة الإنسان لنفسه، فرجع معناها إلى أنه يشهد الله على نفسه (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ) أي إبعاده من رحمته وقرأ نافع: أنْ لعنةُ (إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (ويدرأُ) أي يدفع (ويدرأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) أي الدنيوي وهو الحد (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) أي فيما رماها به من الزنا (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وقرأ نافع: أنْ غَضِبَ، وأن هنا وفيما قبل مخففة من الثقيلة. وتخصيص الغضب بجانب المرأة  للتغليظ، لأن كثيرا من النساء يسهل عليهن التفوه بلفظ اللعن، بخلاف الغضب فيشق عليهن لثقل وقعه على قلوبهن. (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بما شرعه لكم من الأحكام، ومنها اللعان، ورفع حد القذف على الزوج وعدم مطالبته بالشهود، وجواب لولا محذوف لتهويله، وتقديره نحو: لوقعتم في الحرج، (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) أي يتوب على عباده، حكيم فيما يشرعه لعباده من أحكام، بالستر على الكاذب ورفع الحد عنه، وتعريضه للتوبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق