الاثنين، 30 يناير 2017

المحفوظ السادس

قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ؟ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ، قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ، أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي، إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي * إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ *) [سورة: يوسف - الآية: 50-53].
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) أي بيوسف، أي بعدما أخبره المبعوث إلى السجن بتعبير الرؤيا، (فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ) أي مبعوث الملك ليخرجه من السجن (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) أي إلى سيدك الملك (فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أي ما شأنُهن، وإنّما أراد يوسف أن يبحث الملك في هذه القصة لتثبت براءته ونزاهته عند الملك وعند كل الناس، وأنه إنما دخل السجن ظُلما (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) أي ربي سبحانه عز وجل هو العليم بحقيقة كيدهن، وقد ثبت في الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ أَوْ لَمْ تُؤْمِنْ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَْ "، وهذا محمول على أنه تواضع من نبينا عليه الصلاة والسلام،  وإلا فهو أشرف الأنبياء وأعظمهم قدرا عند ربه عز وجل؛ وفي مسند أحمد بإسناد حسن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: " لَوْ كُنْتُ أَنَا لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ "، ويمكن أن يحمل على أنه إرشاد لأمته إلى اختيار أيسر الأمور، لأنه كان يمكن أن يخرج من السجن ثم يأمر بعد ذلك بتبرئة نفسه (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) أي إذ خادعتنّ يوسف، هل وجدتنّ منه ميلا إليكن؟ (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) أي أيَّ سوء (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) أي معترفةً بالحق الذي آن أوان ظهوره، إما توبة منها، وإما خوفا من أن تفضحها صواحبها، أو لأنّها عدم تناهيها عن حبه لم تبال بظهور سرها (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أي ظهر وتبين بجلاء بعد خفاء (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) أي صادق في قوله: هي راودتني عن نفسي أو في شأنه كله (ذَلِكَ) هذا من كلام يوسف عليه السلام، أي طلبي من الملك أن يبحث في شأن النسوة قبل أن أخرج من السجن، ويجوز أن يكون يوسف قال هذا الكلام بينه وبين نفسه، أو قاله لأصحابه في السجن أو لمبعوث الملك لما رجع إليه ثاني مرة (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) أي العزيز، أي لم أخنه في زوجته وهو غائب عنها (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) أي لا يسدده ولكن يبطله ويزهقه. روى ابن جرير الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس قال: قال يوسف "ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب" فقال له جبريل عليه السلام: ولا حين هممت بما هممت به؟ فقال "وما أبرئ نفسي" (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) لا أنزهها عن السوء، وقد تقدم قوله تعالى: "وهمَّ بِها"، (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي كثيرة الأمر بالسوء، وشديدة الميل إلى الشهوات والانجذاب إليها (إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي) أي إلا أن تتداركها رحمة ربي، على أن الاستثناء متصل، أو المعنى: لكن رحمة ربي هي التي تصرفها عن السوء على أن الاستثناء منقطع (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي عظيم المغفرة لعباده، كثير الإحسان إليهم، أي أنه يحسن إليهم ولا يحاسبهم بالذنوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق