الثلاثاء، 24 يناير 2017

المحفوظ الأول

تفسير سورة يوسف 1: رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام: 
قال تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا، إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ؛ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *) [سورة: يوسف - الآية: 1-6]
 (الر) حروف مقطعة تقرأ: أَلِفْ لاَمْ رَا، ومعناها: أن هذه الحروف حروف عربية أنزل بِها القرآن، وهي حروف يتكلم بِها العرب الذين نزل فيهم القرآن، ومع هذا لم يستطيعوا أن يأتوا بآية من مثله، فرجع مغزاها إلى التحدي والتعجيز (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أي هذه آيات الكتاب الواضح المعاني، أو الظاهر البين بإعجازه بأنه من الله، وأشير إليها بالبعيد لبيان بعد منْزلتها ومكانتها (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي أنزلنا إليك الكتاب (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) أي بلسان عربي، حيث أنزل بلغة القوم الذين نزل فيهم، (لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي تفهموه وتتدبروه، وتعملوا بما يأمركم الله فيه، وتنتهوا عما نَهاكم عنه (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) أي نخبرك ونحدثك (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) القصص مصدر، أي أحسن الاقتصاص، ووجه أحسنيته أنه قُصَّ بأحسن الطرائق وأروع الأساليب، ليس فيه خيال ولا كذب ولا اختلاق، أو نقص عليك أحسن ما يُقص من الأنباء، لأنّها أنباء خير الخلق، وهم الرسل الكرام الذين أرسلهم الله لهداية الخلق، وفي أخبارهم عِبرة لأولي الألباب (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) أي بأن أوحيناه إليك (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين) أي والحال أنك كنت قبل نزوله عليك من الغافلين عما فيه من الخير، أو لم يخطر ببالك أن تكون يوما رسولا يأتيك الوحي من الله (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) إذ منصوب بفعل تقديره: اذكُرْ إذْ، أي اذكر لقومك إذ قال يوسف لأبيه، وهو يوسف بن يَعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام، كما صحيح البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ K قَالَ: " الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ، يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ " (يَا أَبتِ) أي يا أبي، والتاء فيه عوض عن الياء (إِنِّي رَأَيْتُ) أي في المنام (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذكر الشمس والقمر وخصهما بالذكر مع أنّهما من جملة الكواكب لشرفهما (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين) كرر قوله رأيتهم إما للتأكيد أو لطول الفاصل، وإما لأنه جواب على سؤال مقدر، كأن أباه قال له: كيف رأيتهم؟ فأجاب: رأيتهم لي ساجدين. (قَالَ يَا بُنَيَّ) تصغير ابني، وصغره إما لأنه صغير، أو من أجل المحبة والشفقة وكذا قرأ حفص عن عاصم، وقرأ الباقون: يَا بُنَيِّ (لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) لأنه علم من رؤياه أن الله سيبلغه الله مبلغا عظيما، فإذا قصها على إخوته حسدوه، لأنّهم كانوا أحد عشر أخا، وهو رأى أحد عشر كوكبا تسجد له، فلا شك أنه سيتبادر إلى أذهانِهم أنَّهم هم الأحد عشر كوكبا، وأنّهم سيسجدون له، لأنه سينال مقاما عظيما، ويزاد على ذلك ما كان يخصه به أبوه من الإكرام والمحبة دونَهم، فلذلك نصحه أن لا يقص عليهم رؤياه (فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) الفاء سببية، والمضارع منصوب بأن مضمرةً وجوبا بعدها، يعني فيحتالوا لإهلاكك حيلة عظيمة لا تقدر على ردها (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) أي ظاهر العداوة، فلن يتوانَ في إثارة غضب إخوتك وحسدهم وغيرتِهم، وإن نشؤوا في بيت النبوة، وهذا يرجح أنّهم ليسوا بأنبياء، ولكن لا يمتنع أن يتوب الله عليهم ثم يجتبيهم بعد ذلك بالنبوة، كما قال في آدم: "وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى*". (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي يصطفيك ويختارك للنبوة أو غيرها، أي كما جرت سنته باصطفاء الأنبياء من قبلك (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) أي تعبير الرُّؤَى كما هو الظاهر (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) أي بالاصطفاء للنبوة ورفع الدرجات في الدنيا (وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ) أي أبنائه، فيستدل بِها على أنَّهم أنبياء، ولكن ليس ذلك صريحا، أو لأن إنعام الله عليه هو إنعام على آل يعقوب كلهم (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ) إبراهيم جد أبيه، وإسحاق جده، والتعبير بالأب جار في كلامهم (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بعباده، يصطفي منهم من يشاء حسب حكمته وعلمه بمحال الاصطفاء والاختيار، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
تفسير سورة يوسف 7: مكيدة الإخوة لأخيهم يوسف: 
قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ، إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِين * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ، وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِين * قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ، وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 7-14].
(لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) أي في قصصهم (آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) أي علامات عظيمة الشأن دالة على عظم قدرة الله تعالى، لمن يسأل عن هذه القصة، أو علامات دالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، للذين سألوه عن اقتصاصها من أهل الكتاب، حيث إنه تلقاها وحيا من الله، ولم يقرأها قبل ذلك من كتاب (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) أي أخوه من أبيه وأمه بنيامين، (أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي هما أحب إليه ونحن جماعة قوية قادرون على السعي في خدمته دونَهما، حيث كان يحبهما ويقدمهما على سائر أبنائه (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي في خطأ واضح في الرأي حيث فضل هذين الصغيرين وهما لا يكفيانه شيئا من الأمور (اقْتُلُواْ يُوسُفَ) هو من تتمة كلامهم، وإنما أرادوا قتل يوسف دون أخيه بنيامين لأنه أحب الاثنين إلى أبيه، ولأنه هو الذي ظهرت عليه بعض الصفات التي من أجلها سيصطفيه ربه، فلذلك حسدوه (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) أي ألقوه في أرض بعيدة، والحاصل: اقتلوه أو غربوه (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أي يقبل عليكم أبوكم بوجهه وتَسلَم لكم محبته (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) يعني وتتوبوا من بعد المعصية ويصلُح أمركم بعدها، وقيل: يصلُح لكم أمر دنياكم بزوال التنغيص الذي يسببه وجود يوسف (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) أي لا تقتلوه، وإظهاره لاستجلاب شفقتهم وتعظيم أمر قتله (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) أي في قعر البئر، وقرأ نافع: غيابات الجب (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أي يأخذه بعض الجماعات التي تسير في الأرض، أي المسافرين، لأنّهم يلتمسون الماء، وإذا وجدوا البئر قصدوها من أجل الماء (إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) أي إن كنتم عازمين مصرين على أن تفعلوا شيئا بيوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) أي بعدما صمموا على تنفيذ الخطة قالوا لأبيهم: أي شيء جعلك لا تأمنُنا على يوسف، ولا تتركه يخرج معنا (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) أي نحب له الخير ولا نفعل به إلا الخير (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ) أي يأكل من الفواكه وغيرها ويشرب، وقرأ نافع " يَرْتَعِ" مجزوم بحذف الياء (وَيَلْعَبْ) أي بالاستباق ونحوه (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أي من كل مكروه (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ) أي لقلة صبري على مفارقته (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) أي حال كونكم غافلين عنه باللعب والرتع (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي ونحن جماعة قوية (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) أي ضعفاء عاجزون لا نغني شيئا، أو لنستحق أن يدعى علينا بالهلاك والخسران والدمار.
تفسير سورة يوسف 15: إلقاء الإخوة لأخيهم يوسف في البئر: 
قال تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ، وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ، وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 15-18].
(فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ) أي بيوسف (وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) أي صمَّموا وعزموا على إلقائه في البئر، وجواب لما محذوف، تقديره: كان منهم ما كان، أو فعلوا ما فعلوا من ضرب يوسف ونزع القميص عنه ومحاولة قتله، وغيره مما ذُكر في الأخبار، والله أعلم (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ) إما بالإلهام أو بإرسال الملك (لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) أي لتنبئنَّهم بِهذا الأمر الذي فعلوا بك اليوم، أي بعد أن يُخلِّصك الله من هذه المحنة ويكون لك شأن آخر، وهم لا يشعرون بأن يوسف هو من يُخبرهم بالأمر، لأنه في ذلك الحين سيعلو شأنُه وسلطانه، وأيضا لبعد العهد بِهم عن رؤيته (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) أي جاؤوا من دون يوسف، والعشاء ما بين صلاة المغرب إلى العتَمة، أي صلاة العشاء (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) أي نتسابق بالعَدْوِ على الأقدام، أو بالرمي بالسهام (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) أي من الطعام والثياب (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) أي في حال غفلتنا عنه بالاستباق (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) المعنى: ولو كنا مصدَّقينَ عندك، فكيف وأنت لا تَثِقُ بنا، وأصل مثل هذا الكلام أن يكون التقدير: لن تصدقنا ولو كنا صادقين فكيف تصدقنا ونَحن كاذبون، أي كاذبون في نظرك، أو في الواقع، وهذا الكلام يشبه أن يكون كلام من كذَب لا محالة، ألا تراهم حين صدقوا قالوا: "وإنَّا لصادقون"، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) أي مكذوب، ووصف الدم بالمصدر مبالغة، كأنه الكذب عينُه، وقد روي أنّهم ذبحوا سَخلةً من الغنم فلطخوا بِها قميصه، فقال أبوهم: والله ما رأيت ذئبا أرحم ولا أحلم من هذا الذئب، قتل ابني ولم يُمَزِّق قميصه (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) أي زينت لكم أنفسكم أمرا فظيعا وسهلته لكم، يحسِبُه المرء هَيِّنا بغلبة الهوى، ولكنه عظيم، والتقدير: لستم صادقين، ولم يقتل ذئب ابني، بل قتلته ذئاب الإنس، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فأمري صبر جميل، فليس لي غيرُه من سبيل، والصبر الجميل هو صبر يشكو فيه إلى الله ولا يشكو إلى الخلق، ويرضى بما قضاه الله (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) أي والله الذي أطلب منه العون على ما نزل بي، مما تصفونه، كذبا كان أو صدقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق