الخميس، 26 يناير 2017

المحفوظ الثالث

تفسير سورة يوسف 30: افتتان نساء أهل مصر بجمال يوسف: 
قال تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا، إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً، وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا، وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ؛ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا، إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ، وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ، وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ *) [سورة: يوسف - الآية: 30-35].
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) أي في مصر (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) أي تطالب غلامَها وخادمها بِمُواقعتها، (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) أي شقَّ حبُّه شَغافَ قلبها، وهو حِجابه، أو باطنه، أي وصل الحب سويداء قلبها (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي في زيغ واضح عن طريق الصواب (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) أي بمقالتهن واغتيابِهن، وتسميته مكرا على ما ذُكر أنَّها استكمتْهنَّ سرَّها، فأفشينَه بين النساء، وكنَّ على ما روي أربعَ نسوة (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ) أي من يدعوهن للحضور عندها (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) أي هيَّأت لهن ما يتَّكِئْنَ عليه من النمارق والوسائد، (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا) أي وقدمت لهن طعاما بعدما جِئْنَ وجلسن، وقد قيل قدمت لهن لحما، وكانوا يأكلونه حزًّا بالسكاكين، ولا ينهشونه بالأسنان، وقيل أيضا: قدمت لهن موزا وبِطِّيخا وأُترُجًّا (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) أي قالت ليوسف: اخرج على هؤلاء النسوة، أي حال كونِهن مشغولات بقطع اللحم أو الفاكهة بالسكاكين، ولأنه كان خادما لها، فهو يمتثل كل أوامرها، وكانت أمرته أن يخرج عليهن من أجل أن يرينَه فقط، وقيل: أمرته بالخروج عليهن للخدمة (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه واندهشن برؤية جماله الفائق (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أي جرحن أيديهن بالسكاكين، لفرط الدهشة (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) أي تنَزه عن صفات العجز والنقص، وهذا تعجب منهن من قدرة الله تعالى على خلق مثل هذا الجمال (مَا هَذَا بَشَرًا) لأن جمالاً مثلَ جماله غيرُ معهود (إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) أي شريف عظيم، وهذا على ما رُكزَ في الفطر من أنْ لا خلق أفضل من الملك، ولا خلق أقبح من الشيطان (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي هذا الذي وقع لكن من الافتتان به بنظرة واحدة إليه، فقطعتن أيديكن، هو الذي لُمْتنني فيه أنا الذي أراه كل يوم ويعيش إلى جنبي (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) أي اعتصم وامتنع وعصى أمري (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ) أي ما آمره به فيما يأتِي بعدما عصانِي فيما مضى (لَيُسْجَنَنَّ) أي لآمرن بإدخاله السجن (وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) أي الأذلاء الْمُهانين (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) وكان الأصل أن يقول: مما تدعوني إليه، لأن الداعية واحدة، وهي امرأة العزيز، وقد قيل: إنّهن أمرنه بمطاوعتها وخوفنه من مخالفتها، وهذا هو الظاهر، لأن حضورهن يقتضي أن يقلن شيئا، وقيل أيضا: إن كل واحدة منهن خلت به لتنصحه، فكانت كل واحدة تدعوه إلى نفسها، والله أعلم (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) أي إن لم تدفعهن عني أمِلْ إليهن وأُطاوعهنَّ يوما على ما أردن، لأني عبد عاجز ضعيف لا قوة لي على مُدافعتهنّ من دونك (وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) باعتداء حدودك، والجاهل هو الذي لا يعلم، وأجهل منه من يعلم ولا يعمل (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) أي أجاب دعاءه (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) إما بكفهن عن مراودته، وإما بإدخاله السجن (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) السميع لدعاء الضارعين إليه، العليمُ بمصالحهم وأحوالهم ونياتِهم (ثُمَّ بَدَا لَهُم) أي للعزيز ومن معه من أهل مشورته (مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ) أي الحجج الدالة على براءة يوسف، من شق القميص من الخلف، وتقطيع النساء أيديهن (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أي بدا لهم أن يدخلوه السجن، وكأن التقدير: حكاية قولهم: لنَسْجُنَنَّه حتى حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق