تفسير
سورة مريم 1 ذكر زكرياء عليه السلام:
قال تعالى: (كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا *
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ
مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا، وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا *
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا، فَهَبْ
لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ
رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ
مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ،
وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا * قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي
آيَةً، قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا *
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا
بُكْرَةً وَعَشِيًّا * يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا *
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ
يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا *)
[سورة: مريم - الآية: 1-15].
(كهيعص) حروف
تقرأ مقطعة: كاف ها يا عَيْن صاد، (ذِكْرُ) أي
هذا ذكرُ (رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ
زَكَرِيَّا) عبده: منصوب برحمة، (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا) أي دعاه دعاء لم يسمعه أحد من الناس، وربما كان في جوف
الليل، والدعاء حينها أقرب إلى الإجابة (قَالَ رَبِّ) بيان للنداء وتفسير له (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي ضعُفتُ، وأسند الضعف إلى العظم لأنه عماد البدن (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) استعارة بالكناية، شبه شعر الرأس وانتشار الشيب فيه
بالنار، وذكر لا زمها وهو الاشتعال (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي لم أكن خائبا يوما إذا دعوتك، أي أنك تستجيب دعائي
كلما دعوتك (وَإِنِّي خِفْتُ
الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي) هم عصبة الرجل وأقاربه، أي أنه خاف أن لا يحسنوا
خلافته في أمته من بعد موته (وَكَانَتِ
امْرَأَتِي عَاقِرًا) أي عقيما
لا تلد (فَهَبْ لِي مِن
لَّدُنكَ وَلِيًّا) أي من
فضلك ولدا يتولى الأمر من بعدي (يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)
هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا) أي مرضيا
عندك (يَا زَكَرِيَّا) أي قيل له، أو قال الله له، أي بواسطة الملك (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ
نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) أي شريكا له في ذلك الاسم، حيث لم يُسَمَّ أحد قبله بيحيى (قَالَ رَبِّ أَنَّى) أي كيف (يَكُونُ
لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) أي عقيما لا تلد (وَقَدْ
بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أي قحول العظم ويبسه من الكبر، (قَالَ كذَلِكَ) أي الأمر كذلك، لا تبديل لأمر الله (قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي أوجده بقدرتي، لا يصعب شيء علي (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) أي لم تكن موجودا، أو المراد خلق آدم، لأن خلقك من
خلقه، (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً) أي علامة تدل على تحقق البشارة (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ
سَوِيًّا) أي أن لا تقدر على
تكليم الناس من غير بكَم أو خرس (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ) أي من المصلى (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ) أي أشار (أَن
سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) أن
تفسيرية، والمراد بالتسبيح الصلاة، أو نزهوا ربكم في هذين الوقتين عما لا يليق
بجلاله (يَا يَحْيَى خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) أي بِجد،
أي فاستجاب الله دعاءه ووُلد له يحيى، وبلغ سنا يؤمر فيها، والمراد بالكتاب
التوراة (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ
صَبِيًّا) عن ابن عباس: أنه
أوتي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا) أي وآتيناه رحمة منا، أو آتيناه رحمة وشفقة على أبويه (وَزَكَاةً) أي بركة، أي جعلناه مباركا (وَكَانَ تَقِيًّا) أي متجنبا للمعاصي مطيعا لربه (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ) كثير البر بِهما والإحسان إليهما (وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا) أي متعاليا عن الناس (عَصِيًّا) أي لربه أو عاقا لوالديه (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) أي الأمان والسلامة من كل الآفات (يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ
حَيًّا) أي يوم خرج إلى الدنيا ويوم يغادرها، ويوم
يبعث يوم القيامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق