الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

الحزب 24 سورة يوسف

تفسير سورة يوسف 1: رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام: 
قال تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا، إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ؛ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *) [سورة: يوسف - الآية: 1-6]
 (الر) حروف مقطعة تقرأ: أَلِفْ لاَمْ رَا، ومعناها: أن هذه الحروف حروف عربية أنزل بِها القرآن، وهي حروف يتكلم بِها العرب الذين نزل فيهم القرآن، ومع هذا لم يستطيعوا أن يأتوا بآية من مثله، فرجع مغزاها إلى التحدي والتعجيز  (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أي هذه آيات الكتاب الواضح المعاني، أو الظاهر البين بإعجازه بأنه من الله، وأشير إليها بالبعيد لبيان بعد منْزلتها ومكانتها (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي أنزلنا إليك الكتاب (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) أي بلسان عربي، حيث أنزل بلغة القوم الذين نزل فيهم، (لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي تفهموه وتتدبروه، وتعملوا بما يأمركم الله فيه، وتنتهوا عما نَهاكم عنه (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) أي نخبرك ونحدثك (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) القصص مصدر، أي أحسن الاقتصاص، ووجه أحسنيته أنه قُصَّ بأحسن الطرائق وأروع الأساليب، ليس فيه خيال ولا كذب ولا اختلاق، أو نقص عليك أحسن ما يُقص من الأنباء، لأنّها أنباء خير الخلق، وهم الرسل الكرام الذين أرسلهم الله لهداية الخلق، وفي أخبارهم عِبرة لأولي الألباب (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) أي بأن أوحيناه إليك (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين) أي والحال أنك كنت قبل نزوله عليك من الغافلين عما فيه من الخير، أو لم يخطر ببالك أن تكون يوما رسولا يأتيك الوحي من الله (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) إذ منصوب بفعل تقديره: اذكُرْ إذْ، أي اذكر لقومك إذ قال يوسف لأبيه، وهو يوسف بن يَعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام، كما صحيح البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ K قَالَ: " الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ، يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ " (يَا أَبتِ) أي يا أبي، والتاء فيه عوض عن الياء (إِنِّي رَأَيْتُ) أي في المنام (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذكر الشمس والقمر وخصهما بالذكر مع أنّهما من جملة الكواكب لشرفهما (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين) كرر قوله رأيتهم إما للتأكيد أو لطول الفاصل، وإما لأنه جواب على سؤال مقدر، كأن أباه قال له: كيف رأيتهم؟ فأجاب: رأيتهم لي ساجدين. (قَالَ يَا بُنَيَّ) تصغير ابني، وصغره إما لأنه صغير، أو من أجل المحبة والشفقة وكذا قرأ حفص عن عاصم، وقرأ الباقون: يَا بُنَيِّ (لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) لأنه علم من رؤياه أن الله سيبلغه الله مبلغا عظيما، فإذا قصها على إخوته حسدوه، لأنّهم كانوا أحد عشر أخا، وهو رأى أحد عشر كوكبا تسجد له، فلا شك أنه سيتبادر إلى أذهانِهم أنَّهم هم الأحد عشر كوكبا، وأنّهم سيسجدون له، لأنه سينال مقاما عظيما، ويزاد على ذلك ما كان يخصه به أبوه من الإكرام والمحبة دونَهم، فلذلك نصحه أن لا يقص عليهم رؤياه (فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) الفاء سببية، والمضارع منصوب بأن مضمرةً وجوبا بعدها، يعني فيحتالوا لإهلاكك حيلة عظيمة لا تقدر على ردها (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) أي ظاهر العداوة، فلن يتوانَ في إثارة غضب إخوتك وحسدهم وغيرتِهم، وإن نشؤوا في بيت النبوة، وهذا يرجح أنّهم ليسوا بأنبياء، ولكن لا يمتنع أن يتوب الله عليهم ثم يجتبيهم بعد ذلك بالنبوة، كما قال في آدم: "وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى*". (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي يصطفيك ويختارك للنبوة أو غيرها، أي كما جرت سنته باصطفاء الأنبياء من قبلك (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) أي تعبير الرُّؤَى كما هو الظاهر (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) أي بالاصطفاء للنبوة ورفع الدرجات في الدنيا (وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ) أي أبنائه، فيستدل بِها على أنَّهم أنبياء، ولكن ليس ذلك صريحا، أو لأن إنعام الله عليه هو إنعام على آل يعقوب كلهم (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ) إبراهيم جد أبيه، وإسحاق جده، والتعبير بالأب جار في كلامهم (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بعباده، يصطفي منهم من يشاء حسب حكمته وعلمه بمحال الاصطفاء والاختيار، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
تفسير سورة يوسف 7: مكيدة الإخوة لأخيهم يوسف: 
قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ، إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِين * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ، وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِين * قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ، وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 7-14].
(لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) أي في قصصهم (آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) أي علامات عظيمة الشأن دالة على عظم قدرة الله تعالى، لمن يسأل عن هذه القصة، أو علامات دالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، للذين سألوه عن اقتصاصها من أهل الكتاب، حيث إنه تلقاها وحيا من الله، ولم يقرأها قبل ذلك من كتاب (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) أي أخوه من أبيه وأمه بنيامين، (أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي هما أحب إليه ونحن جماعة قوية قادرون على السعي في خدمته دونَهما، حيث كان يحبهما ويقدمهما على سائر أبنائه (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي في خطأ واضح في الرأي حيث فضل هذين الصغيرين وهما لا يكفيانه شيئا من الأمور (اقْتُلُواْ يُوسُفَ) هو من تتمة كلامهم، وإنما أرادوا قتل يوسف دون أخيه بنيامين لأنه أحب الاثنين إلى أبيه، ولأنه هو الذي ظهرت عليه بعض الصفات التي من أجلها سيصطفيه ربه، فلذلك حسدوه (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) أي ألقوه في أرض بعيدة، والحاصل: اقتلوه أو غربوه (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أي يقبل عليكم أبوكم بوجهه وتَسلَم لكم محبته (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) يعني وتتوبوا من بعد المعصية ويصلُح أمركم بعدها، وقيل: يصلُح لكم أمر دنياكم بزوال التنغيص الذي يسببه وجود يوسف (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) أي لا تقتلوه، وإظهاره لاستجلاب شفقتهم وتعظيم أمر قتله (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) أي في قعر البئر، وقرأ نافع: غيابات الجب (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أي يأخذه بعض الجماعات التي تسير في الأرض، أي المسافرين، لأنّهم يلتمسون الماء، وإذا وجدوا البئر قصدوها من أجل الماء (إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) أي إن كنتم عازمين مصرين على أن تفعلوا شيئا بيوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) أي بعدما صمموا على تنفيذ الخطة قالوا لأبيهم: أي شيء جعلك لا تأمنُنا على يوسف، ولا تتركه يخرج معنا (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) أي نحب له الخير ولا نفعل به إلا الخير (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ) أي يأكل من الفواكه وغيرها ويشرب (وَيَلْعَبْ) أي بالاستباق ونحوه (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أي من كل مكروه (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ) أي لقلة صبري على مفارقته (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) أي حال كونكم غافلين عنه باللعب والرتع (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي ونحن جماعة قوية (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) أي ضعفاء عاجزون لا نغني شيئا، أو لنستحق أن يدعى علينا بالهلاك والخسران والدمار.
تفسير سورة يوسف 15: إلقاء الإخوة لأخيهم يوسف في البئر: 
قال تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ، وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ، وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 15-18].
(فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ) أي بيوسف (وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) أي صمَّموا وعزموا على إلقائه في البئر، وجواب لما محذوف، تقديره: كان منهم ما كان، أو فعلوا ما فعلوا من ضرب يوسف ونزع القميص عنه ومحاولة قتله، وغيره مما ذُكر في الأخبار، والله أعلم (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ) إما بالإلهام أو بإرسال الملك (لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) أي لتنبئنَّهم بِهذا الأمر الذي فعلوا بك اليوم، أي بعد أن يُخلِّصك الله من هذه المحنة ويكون لك شأن آخر، وهم لا يشعرون بأن يوسف هو من يُخبرهم بالأمر، لأنه في ذلك الحين سيعلو شأنُه وسلطانه، وأيضا لبعد العهد بِهم عن رؤيته (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) أي جاؤوا من دون يوسف، والعشاء ما بين صلاة المغرب إلى العتَمة، أي صلاة العشاء (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) أي نتسابق بالعَدْوِ على الأقدام، أو بالرمي بالسهام (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) أي من الطعام والثياب (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) أي في حال غفلتنا عنه بالاستباق (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) المعنى: ولو كنا مصدَّقينَ عندك، فكيف وأنت لا تَثِقُ بنا، وأصل مثل هذا الكلام أن يكون التقدير: لن تصدقنا ولو كنا صادقين فكيف تصدقنا ونَحن كاذبون، أي كاذبون في نظرك، أو في الواقع، وهذا الكلام يشبه أن يكون كلام من كذَب لا محالة، ألا تراهم حين صدقوا قالوا: "وإنَّا لصادقون"، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) أي مكذوب، ووصف الدم بالمصدر مبالغة، كأنه الكذب عينُه، وقد روي أنّهم ذبحوا سَخلةً من الغنم فلطخوا بِها قميصه، فقال أبوهم: والله ما رأيت ذئبا أرحم ولا أحلم من هذا الذئب، قتل ابني ولم يُمَزِّق قميصه (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) أي زينت لكم أنفسكم أمرا فظيعا وسهلته لكم، يحسِبُه المرء هَيِّنا بغلبة الهوى، ولكنه عظيم، والتقدير: لستم صادقين، ولم يقتل ذئب ابني، بل قتلته ذئاب الإنس، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فأمري صبر جميل، فليس لي غيرُه من سبيل، والصبر الجميل هو صبر يشكو فيه إلى الله ولا يشكو إلى الخلق، ويرضى بما قضاه الله (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) أي والله الذي أطلب منه العون على ما نزل بي، مما تصفونه، كذبا كان أو صدقا.
تفسير سورة يوسف 19: إلقاء الإخوة لأخيهم يوسف في البئر: 
قال تعالى: (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ، قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ، وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً، وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ، وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ، وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *). [سورة: يوسف - الآية: 19-22].
(وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ) أي جماعة أو رُفقة تسير في الأرض، أي مسافرون، وذلك بعد أن ألقى الإخوة أخاهم يوسف في البئر وتركوه وحيدا (فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ) الذي يرد الماء، أي واحدا منهم ليستقي الماء من البئر (فَأَدْلَى دَلْوَهُ) أي أرسلها في البئر ليأخذ الماء، أي فاستمسك يوسف بالدلو أو بالحبل، فخرج من البئر، فلما رآه المُستقي (قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ) وقرأ الأكثر: يا بُشْرَايَ، وإنما نادى البشرى مبالغة في إظهار الفرح، كأنه قال: يا بشراي أقبلي، فلقد فزتُ بمطلب عظيم، وإنما استبشر به لأن الغلام كان جميلا، بل هو أجمل الغلمان، والجمال مما تنشرح له الصدور، والغلام يطلق على من بلغ السنتين إلى ما قبل البلوغ (وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) أي أخفاه الوارد مع أصحابه عن بقية الرفقة، وقالوا اشتريناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه؛ وهذا هو التفسير الراجح؛ "بضاعة" أي متاعا للتجارة يباع ويشترى؛ وقيل: أخفاه إخوتُه، وذلك أنّهم رجعوا لينظروا ما وقع ليوسف، فوجدوا السيارة قد استخرجوه من البئر، فقالوا لهم: إن هذا غلام قد أبق منا، أي عبد هرب منا، فاشتروه منا، فاشترَوه، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه، روي هذا عن ابن عباس، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) أي إخوة يوسف، أو السيارة وهو الراجح، أي ليس غافلا عنهم، يرعى عبدَه يوسف من كيدهم، وفيه أيضا وعيد شديد لهم إن آذوْه بشيء (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) أي باعوه بثمن ناقص زهيد بدراهم قليلة، والذي باعه هم السيارة بِمصر، وهذا هو الراجح، والموافق لنظم القرآن، (وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) أي زهدوا فيه ورغبوا عنه، وقللوا من قيمته، لأنه شيء ملتقَط، ولأنّهم خافوا أن يطالبهم به مولاه، فلذلك رأوا أن يتخلصوا منه بثمن زهيد، وقيل: باعه الإخوة من السيارة بثمن ناقص، ولكن هذا لا يتوافق مع النظم الكريم، ثم كيف يقول الله تعالى في الإخوة: إنّهم زهِدوا في أخيهم وهم أصلا أرادوا أن يتخلصوا منه، بل هموا بقتله، (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) أي الذي اشتراه من السيارة بمصر، وهو عزيز مصر، أي قال لامرأته: أكرمي هذا الغلام في مثواه وإقامته عندنا، والعبارة فيها تجوز، لأن يوسف هو المكرَم وليس المثوى، وهذا على المبالغة في الإكرام (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) أي نتبنّاه فيصير ابنا لنا، وكان العزيز على ما روي عقيما (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) أي جعلنا له فيها مكانا ومكانة ومنْزلة عظيمة، أي كما نفعل بعبادنا الصالحين (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) أي من تعبيرِ الرؤى، أي ولأجل هذه الغاية العظيمة وغيرها مكناه، والواو تعطف على مقدر، كأنه قال: مكنا له لنفعل به كذا وكذا ولنعلمه من تأويل الأحاديث، لأنّها أعظم تلك الغايات، وبِها سيرتفع مقامه بين أهل مصر (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) لا يمنعه أحد من فعل ما يريد، بل إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، ومن جملة ذلك أمر يوسف عليه السلام (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون أنه غالب، فلذلك يظنون أن لهم من الأمر شيئا (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي زمن اكتمال نمو جسمه وقوته وهو سن الأربعين (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) أي حكمة وعلما، والمراد بِالحكمة الفهم وسداد الرأي، أو النبوة (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي نجزي كلّ من أحسن عبادة ربه كذلك، بأن نؤتيه العلم والحكمة ونرفع ذكره في الدنيا.
تفسير سورة يوسف 23: مكيدة امرأة العزيز بيوسف: 
قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ، قَالَ مَعَاذَ اللّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ، إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ، قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ، إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا، وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ *) [سورة: يوسف - الآية: 23-29]
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) طالبته برفق، أو خادعته عن نفسه، لتنال منه الذي تريد، وإنما قال التي هو في بيتها دون امرأة العزيز، لبيان أنه في يدها وتحت سيطرتِها بإمكانِها أن تنال منه ما أرادت، (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) أي أغلقتها، والتعبير بالتغليق لإفادة أنّها كثيرة، أو لإفادة أنّها أحكمت إغلاقها، وقد قيل: إنّها سبعة، ولا يثبُت، وذلك أنّها أحبته حبا شديدا لجماله وحسنه، فحملها ذلك على أن تجملت له وغلقت عليه الأبواب ودعته إلى نفسها (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) أي تعالَ، أو أقبل، أو تَهيأت لك، وقرأ نافع وآخرون: هِيتَ لك (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) أي أعوذ به معاذا، وألتجئُ إليه أن يحفظني مما تريدين مني (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) أي إنه خالقي ومدبر أمري، أحسن مُقامي، فكيف أقابل نعمته بالعصيان، ويجوز أن يكون الضمير في "إنه" ضمير شأن، فيكون المعنى: إنه "أي الشأن" سيدي العزيز أحسن مثواي، فكيف أتجرأ على خيانته في حرمه وعلى فراشه، وهذا لتذكيرها بحق زوجها (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا يظفرون بِخير الدنيا والآخرة، ولا ينجون من الْمَكروه فيهما (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) أي بالمراودة والعزم والإصرار (وَهَمَّ بِهَا) أي بالاستجابة لِمطلبها بِمقتضى الطبيعة البشرية، وكان ذلك قبل النبوة  (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) أي حجة ربه عليه، بتذكر قبح الخطيئة وما يترتب عليها من العقاب، أو رأى آية من آيات الله تزجره عما كان همّ به، والمعنى: لولا رؤيته للبرهان لاستجاب لها ووقع فيما هم به (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء) أي كذلك سنتُنا في عبادنا المصطفَيْنَ، لنصرف عنه الفاحشة؛ والفحشاء ما قَبُحَ من المعاصي، والسوء: اسم للمعصية لأنّها تسوء صاحبها (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) أي الذين أخلصهم الله واصطفاهم لطاعته وعصمهم عن معصيته (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) أي تسابقا إلى باب من تلك الأبواب المغلقة، وذلك بعدما هرب منها وسابقها ليخرج وهي تسابقه لتمنعه من الخروج، وقد قيل: إنّها أبواب مغلقة على الترتيب بابا فبابا، وأنه لما هرب تنفتح الأبواب أمامه، لكن الظاهر أنَّها أبواب كثيرة في جهات مختلفة، وكانت كلها منافذ إلى ذلك المكان، لأن كون الأبواب تنفتح أمام يوسف يحتاج إلى نقل صحيح، وأيضا فيستطيع يوسف أن يفتح الباب بنفسه من الداخل بدون مفتاح، وذلك أن المفاتيح يحتاجها في الغالب من كان في الخارج، أما من الداخل فإنه يفتحها بيديه من غير حاجة إلى مفاتيح (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) أي شقت قميصه من الخلف حيث جذبتهُ به من ورائه، (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) أي وجدا زوجها العزيز يريد أن يدخل، إما في الباب الخارجي أو في الباب الذي يدخل منه إلى ذلك المكان، (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا) أي أن يسيء إلى زوجك بمحاولة إكراهها على الزنا أو نحوه (إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي ليس له جزاء إلا السجن أو العقاب المؤلم الشديد (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) أي قال يوسف للعزيز: امرأتك طالبتني بالفاحشة، لا أني أردت بِها سوءا (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) أي شهد إما بالبراءة، لأنه رأى ما جرى بينهما أو سمعه، أو بالحجة، والحجة هي: (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) إن كان القميص مشقوقا من قدام، كان هو الطالبَ لها وهي تدفعه فشقت قميصه، (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) أي وإن كان قميصه مشقوقا من الخلف كانت هي الطالبة؛ وقد رُوي أن الشاهد كان صبيا في المهد نطق بِهذا الكلام، والأولى والمناسب أن الشاهد شاهد بالحجة، وقد روي أنه كان رجلا حكيما من أهلها كان يستشيره العزيز، فشهد بِهذه الحجة لتظهر براءة يوسف للعزيز، وترجع اللائمةُ على امرأته، دون كشف النقاب عن الأمر (فَلَمَّا رَأَى) أي العزيز (قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ) أي من جملة احتيال النساء ومكرهن (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) لشدة تأثيره، ولذلك كان افتتانُ الرجال بالنساء أشد الافتتان، حتى إن الرجل الحازم ليفقد لُبَّه (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) أي لا تذكره ولا تتحدث به، كأنه لم يقع شيء (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) أي امرأة العزيز (إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) أي المذنبين المتعمدين للذنب.
تفسير سورة يوسف 30: افتتان نساء أهل مصر بجمال يوسف: 
قال تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا، إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً، وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا، وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ؛ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا، إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ، وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ، وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ *) [سورة: يوسف - الآية: 30-35].
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) أي في مصر (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) أي تطالب غلامَها وخادمها بِمُواقعتها، (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) أي شقَّ حبُّه شَغافَ قلبها، وهو حِجابه، أو باطنه أي وصل الحب سويداء قلبها (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي في زيغ واضح عن طريق الصواب (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) أي بمقالتهن واغتيابِهن، وتسميته مكرا على ما ذُكر أنَّها استكمتْهنَّ سرَّها فأفشينَه بين النساء، وكنَّ على ما روي أربعَ نسوة (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ) أي من يدعوهن للحضور عندها (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) أي هيَّأت لهن ما يتَّكِئْنَ عليه من النمارق والوسائد، (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا) أي وقدمت لهن طعاما بعدما جِئْنَ وجلسن، وقد قيل قدمت لهن لحما، وكانوا يأكلونه حزًّا بالسكاكين، ولا ينهشونه بالأسنان، وقيل أيضا: قدمت لهن موزا وبِطِّيخا وأُترُجًّا (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) أي قالت ليوسف: اخرج على هؤلاء النسوة، أي حال كونِهن مشغولات بقطع اللحم أو الفاكهة بالسكاكين، ولأنه كان خادما لها، فهو يمتثل كل أوامرها، وكانت أمرته أن يخرج عليهن من أجل أن يرينَه فقط، وقيل: أمرته بالخروج عليهن للخدمة (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه واندهشن برؤية جماله الفائق (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أي جرحن أيديهن بالسكاكين، لفرط الدهشة (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) أي تنَزه عن صفات العجز والنقص، وهذا تعجب منهن من قدرة الله تعالى على خلق مثل هذا الجمال (مَا هَذَا بَشَرًا) لأن جمالاً مثلَ جماله غير معهود (إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) أي شريف عظيم، وهذا على ما رُكزَ في الفطر من أنْ لا خلق أفضل من الملك، ولا خلق أقبح من الشيطان (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي هذا الذي وقع لكن من الافتتان به ما قطعتم به أيديكن بنظرة واحدة إليه، هو الذي لُمْتنني فيه أنا الذي أراه كل يوم ويعيش إلى جنبي (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) أي اعتصم وامتنع وعصى أمري (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ) أي ما آمره به فيما يأتِي بعدما عصانِي فيما مضى (لَيُسْجَنَنَّ) أي لآمرن بإدخاله السجن (وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) أي الأذلاء الْمُهانين (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) وكان الأصل أن يقول: مما تدعوني إليه، لأن الداعية واحدة، وهي امرأة العزيز، وقد قيل: إنّهن أمرنه بمطاوعتها وخوفنه من مخالفتها، وهذا هو الظاهر، لأن حضورهن يقتضي أن يقلن شيئا، وقيل أيضا: إن كل واحدة منهن خلت به لتنصحه، فكانت كل واحدة تدعوه إلى نفسها، والله أعلم (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) أي إن لم تدفعهن عني أمِلْ إليهن وأُطاوعهنَّ يوما على ما أردن، لأني عبد عاجز ضعيف لا قوة لي على مُدافعتهنّ من دونك (وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) باعتداء حدودك، والجاهل هو الذي لا يعلم، وأجهل منه من يعلم ولا يعمل (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) أي أجاب دعاءه (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) إما بكفهن عن مراودته، وإما بإدخاله السجن (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) السميع لدعاء الضارعين إليه، العليمُ بمصالحهم وأحوالهم ونياتِهم (ثُمَّ بَدَا لَهُم) أي للعزيز ومن معه من أهل مشورته (مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ) أي الحجج الدالة على براءة يوسف، من شق القميص من الخلف، وتقطيع النساء أيديهن (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أي بدا لهم أن يدخلوه السجن، وكأن التقدير: حكاية قولهم: لنَسْجُنَنَّه حتى حين.
تفسير سورة يوسف 36: إدخال يوسف السجن بعد ثبوت براءته: 
قال تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ، قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا، وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ، نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا، ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي، إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ* وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ، ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآء سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ، إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ، فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [سورة: يوسف - الآية: 36-42].
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ) أي غلامان وخادمان للملك، ساقي الملك وخبازُه، وكان سبب سَجنهما على ما قيل: أنّ جماعة من أهل مصر أرادوا قتل الملك، فقدَّما لهما مالا على أن يضعا السم في طعام الملك وشرابه، فقبلا ذلك، ثم ندم الساقي، فلم يسم الشراب، وقبل الخباز الرشوة فسم طعام الملك، فلما أحضرا الطعام والشراب للملك، قال الساقي للملك: لا تأكل هذا الطعام فإنه مسموم، فقال الخباز: لا تشرب شرابه أيها الملك فإنه مسموم، فقال للساقي: اشربه، فشربه فلم يضره، وقال للخباز: كله، فأبى، فأطعموه لدابة فهلكت، فأمر الملك بحبسهما، وكان يوسف عليه السلام قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة، وصدق الحديث وحسن السمت، وكثرة العبادة، ومعرفة تعبير الرؤى، والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم، صلوات الله عليه وسلامه، ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن أحباه حبا شديدا، (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) يعني عِنبا، وتسميته خمرا باعتبار ما يؤول إليه، ورأى أنه يسقي الملك (وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ) أي أخبرنا بما تؤول إليه هذه الرؤى (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي ممن يحسنون تعبيرَ الرؤيا، وذلك على ما قيل أنه كان قد اشتهر بذلك عند أهل السجن، أو من المحسنين إلى أهل السجن، فأحسن إلينا بتأويل رؤيانا، أو لأنه بكونه محسنا سيكون موفقا لتعبير رؤياهما على الوجه الصحيح، (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا) أي أخبركما بذلك الطعام وعن صفته، وإنما قدم لهما هذا الكلام ليدلهم على ما اصطفاه الله به من  الآيات ليدعوهم إلى الله عز وجل قبل تأويل رؤياهما (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) أي ليس ذلك من الكهانة أو التنجيم وإنما هو علم علمنيه ربي (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) يعني تركت دينهم وما يعتقدون، من الكهانة وعبادة الأصنام وغيرها (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ) أخبرهما أنه من بيت النبوة (مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ) ما صح ذلك ولا استقام (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ) أي ما أوحى الله به إلينا من العلم الذي أرشدنا به إليه (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) أي فيشركون بالله وهم يعلمون أنه خالقهم الذي يستحق العبادة دون سواه (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) أي يا صاحبيَّ في السجن، وناداهما بالصحبة في دار الأحزان حيث تصفو المودة وتتخلص القلوب من الضغائن، ليُقبِلا عليه ويقبَلا نصيحتَه (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) أي أعبادةُ آلهة متعددين عاجزين، خير أم عبادة إله واحد غالب (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم) يعني تعبدون أسماء لآلهة مزعومة غير موجودة، (مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) أي ما أنزل الله بعبادتِها من حجة ولا برهان (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) أي هو الذي يأمر لا غيره (أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) أي أمر من له الحكم وحده بأن يُعبد وحده دون سواه (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي المستقيم أو الثابت (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) فلذلك يعبدون غير الله جهلا وظلما (يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا) أي سيده الملك، أي سيعود إلى سيرته الأولى (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) أي يصلبه الملك جزاء على جريرته، (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) أي أُتِمَّ وأُحكِم، أي أن هذا الذي رأيتما واقع وحتمٌ مَقْضِيٌّ، وقد روي أن أحدهما وهو الخباز لما أخبره بما سيؤول إليه أمره من الصلب، أنكر وقال: لم أرَ شيئا، فقال لهما: قضي الأمر (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا) وهو الساقي (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) أي اذكرني عند سيدك الملك بما رأيت مني من تعبير الرؤيا (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) أي أنسى الشيطانُ الساقيَ ذكر أمر يوسف عند سيده، وكأن التفاتته عليه السلام إلى غير ربه كانت سببا في ذلك النسيان (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) والبضع ما بين الثلاث إلى التسع، والمشهور أن لبث سبع سنين.
تفسير سورة يوسف 43: رؤيا ملك مصر: 
قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ، وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ، يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ، وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ، وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ، لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا، فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 43-49].
(وَقَالَ الْمَلِكُ) أي ملك مصر، وهو غير العزيز (إِنِّي أَرَى) أي رأيت في المنام، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة الماضية كأنّها تُشاهد (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) أي ممتلئات لحما (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) أي هزيلة (وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) أي وسبعا أُخر يابسات (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ) أي الأشراف، يروى أنه جمع السحرة والكهنة والمعبرين (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) أي بينوا لي ما تؤول إليه رؤياي (إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) أي إن كنتم تعلمون تعبير الرؤى (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ) أي تخاليط أحلام، أو أباطيل من أحاديث نفس ووساوس الشيطان (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ) أي لا نعلم تأويل المنامات الباطلة، لأنه لا تأويل لها، أي أنَّها ليست من الرؤى وإنما هي من الأحلام الباطلة، وفي الحديث الصحيح: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرُّؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ "، أو لا نعلم تأويل مثل هذا النوع مما فيه تخليط (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا) أي الناجي من السجن من صاحبي يوسف، وهو الساقي (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي وتذكر يوسفَ بعد أن نسيه زمانا طويلا (أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ) أي بتأويل هذه الرؤيا (فَأَرْسِلُونِ) أي أرسلوني أذهَبْ إلى من عنده علم تعبير الرؤى، يريد يوسف عليه السلام الذي عبَّر له رؤياه في السجن (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) يعني فأرسلوه إليه، فجاءه فقال: يوسفُ أيها الصديق (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) أي في هذه الرؤيا (لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) أي ليعلموا تعبير الرؤيا فيظهرَ لهم فضلُك ومنْزلتُك، فيخلصوك من السجن (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) أي دائبين أي مداومين على العمل مواظبين في سنوات الخصب (فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ) أي لا تَذْرُوه حَبًّا لكيلا يسوس (إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ) فأرشدهم إلى أنه مع الدأب على الزراعة لا بد أن يقتصدوا في الأكل (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ) أي صعاب، وهي سنوات الجدب (يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ) أي في سنوات الخصب (إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ) أي تخبئون من البذور للزراعة (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ) أي ينْزل فيه الغيث (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) أي يعصرون من العنب والزيتون وغيرهما. وهذا زيادة منه عليه الصلاة والسلام على ما دلت عليه الرؤيا، مما علمه الله إياه، تبشيرا لهم بالفرج بعد تلك السنين السبع الشداد.
تفسير سورة يوسف 50: تعبير يوسف رؤيا ملك مصر: 
قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ؟ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ، قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ، أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي، إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي * إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ *) [سورة: يوسف - الآية: 50-53].
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) أي بيوسف، أي بعدما أخبره المبعوث إلى السجن بتعبير الرؤيا، (فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ) أي مبعوث الملك ليخرجه من السجن (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) أي إلى سيدك الملك (فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أي ما شأنُهن، وإنّما أراد يوسف أن يبحث الملك في هذه القصة لتثبت براءته ونزاهته عند الملك وعند كل الناس، وأنه إنما دخل السجن ظُلما (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) أي ربي سبحانه عز وجل هو العليم بحقيقة كيدهن، وقد ثبت في الصحيح من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ أَوْ لَمْ تُؤْمِنْ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَْ "، وهذا محمول على أنه تواضع من نبينا عليه الصلاة والسلام،  وإلا فهو أشرف الأنبياء وأعظمهم قدرا عند ربه عز وجل؛ وفي مسند أحمد بإسناد حسن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: " لَوْ كُنْتُ أَنَا لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ "، ويمكن أن يحمل على أنه إرشاد لأمته إلى اختيار أيسر الأمور، لأنه كان يمكن أن يخرج من السجن ثم يأمر بعد ذلك بتبرئة نفسه (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) أي إذ خادعتنّ يوسف، هل وجدتنّ منه ميلا إليكن؟ (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) أي أيَّ سوء (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) أي معترفةً بالحق الذي آن أوان ظهوره، إما توبة منها، وإما خوفا من أن تفضحها صواحبها، أو لأنّها عدم تناهيها عن حبه لم تبال بظهور سرها (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أي ظهر وتبين بجلاء بعد خفاء (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) أي صادق في قوله: هي راودتني عن نفسي أو في شأنه كله (ذَلِكَ) هذا من كلام يوسف عليه السلام، أي طلبي من الملك أن يبحث في شأن النسوة قبل أن أخرج من السجن، ويجوز أن يكون يوسف قال هذا الكلام بينه وبين نفسه، أو قاله لأصحابه في السجن أو لمبعوث الملك لما رجع إليه ثاني مرة (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) أي العزيز، أي لم أخنه في زوجته وهو غائب عنها (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) أي لا يسدده ولكن يبطله ويزهقه. روى ابن جرير الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس قال: قال يوسف "ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب" فقال له جبريل عليه السلام: ولا حين هممت بما هممت به؟ فقال "وما أبرئ نفسي" (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) لا أنزهها عن السوء، وقد تقدم قوله تعالى: "وهمَّ بِها"، (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي كثيرة الأمر بالسوء، وشديدة الميل إلى الشهوات والانجذاب إليها (إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي) أي إلا أن تتداركها رحمة ربي، على أن الاستثناء متصل، أو المعنى: لكن رحمة ربي هي التي تصرفها عن السوء على أن الاستثناء منقطع (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي عظيم المغفرة لعباده، كثير الإحسان إليهم، أي أنه يحسن إليهم ولا يحاسبهم بالذنوب.
تفسير سورة يوسف 54: إخراج يوسف من السجن وتمكينه في بلاد مصر، ومجيء إخوته لاكتيال الطعام: 
قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء، نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء، وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ *)
(وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ، أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ * قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 54-62].
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) أي بيوسف، بعد أن تأكد من براءته ونزاهته وعلو شأنه (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي أجعلْه خالصا لنفسي ومن المقربين لدَيّ (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) أي فأُتي بيوسف من السجن، فكلمه الملك، ولما رأى حسن كلامه وجوابه ومحاورته (قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ) أي ذو مكانة عالية ومنْزلة رفيعة عندنا، ومؤتمن على كل شيء (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ) أي أرض مصر، والمراد بالخزائن ما تنتجه من الزروع والثمار (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) أي حفيظ لما تَستودِعُني إياه، عليم بوجوه التصرف، ومن يستحق ممن لا يستحق، وفي الآية جواز طلب الولاية إذا كان الطالب قادرا على إقامة العدل، ولو كان المطلوب منه كافرا، وقد روي أنه أسلم الملك على يديه عليه السلام (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) أي جعلنا له فيها مكانا ومكانة، مثلما جرت سنتنا بأنبيائنا وأوليائنا (يَتَبَوَّأُ مِنْهَا) أي ينْزل من أرض مصر (حَيْثُ يَشَاء) أي في أي بلادها شاء (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء) بنعمتنا وإحساننا وعطائنا، حسب حكمتنا (وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي في الدنيا، فيه إشارة إلى أن الإحسان والاستقامة هي سبب التمكين (وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) أي ولأجر المحسنين في الآخرة خير من أجر الدنيا، وإظهارهم بوصف الذين أمنوا وكانوا يتقون، لزيادة توضيح المراد من الإحسان، وأنه الإيمان بالله وتقواه بامتثال الأوامر واجتناب المناهي.
(وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ) مُمتارين، أي لطلب الطعام، بعدما أصاب بلاد كنعان من القحط ما أصاب مصر (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) عرفهم لأنّ أحوالهم يومها لم تختلف عن أحوالهم السابقة، ولأنّهم كثرة، ولأنه كان مترقبا لمجيئهم لمكان القحط، ولم يعرفوه هم لأن حاله يومها مختلفة جدا عن حاله السابقة، لأنه كان صغيرا، ولطول العهد، ولأنه لم يخطر ببالهم أن يصل يوسف المرميُّ في البئر إلى تلك المكانة، أو ربما ظنوه قد مات  (وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ) أي أوفَى لهم كيلهم وأوقر ركائبهم بالطعام (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ) قيل إنه سألهم عن أحوالهم فذكروا له كل شيء، فأمرهم أن يأتوا معهم بأخيهم، وكأنه لا يعرفهم، ويريد أن يتأكد من صدقهم، (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) أي أتمه وأجعله وافيا (وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) أي خير المضيفين إكراما لأضيافه، وليس هذا من المن المنهيِّ عنه، وإنما لحثهم على تنفيذ أمره والإتيان بأخيهم (فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي) أي فلن أكيل لكم الطعام بعد هذه المرة (وَلاَ تَقْرَبُونِ) أي لا تقربوا بلادي (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ) أي سنستميل أباه برفق، لأنه سيمتنع لا محالة، وذلك وقع لهم مع يوسف أول مرة (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) أي لن نتوانى في الإتيان به (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ) أي لغلمانه وخدمه ممن يكتالون الطعام، وقرأ الأكثرون: "لفِتْيَتِهِ" (اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ) أي ما قدموا من الأموال مقابل اشتراء الطعام (فِي رِحَالِهِمْ) الرحال ما على ظهر المركوب من متاع الراكب، (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ) أي ليعرفوا حق ردها عند رجوعهم، وأيضا أن يتكرم بذلك عليهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لنضمن رجوعهم مرة أخرى.
تفسير سورة يوسف 63: رجوع إخوة يوسف إلى أبيهم بعد اكتيالهم من مصر: 
قال تعالى: (فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ، فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ، فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ، قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي؟ هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا، وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا، وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ، ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ، فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ، وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ، وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ، إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ، إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا، وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 63-69].
(فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) أي حُكم علينا بمنع الكيل بعد هذه المرة، إلا بشرط مصاحبة أخينا بنيامين (فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا) أي يرافقْنا إلى مصر كما أمر العزيز (نَكْتَلْ) أي نكتل ما نشاء من الطعام إن أرسلته معنا، وإلا فنحن ممنوعون من الكيل (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أي من كل مكروه، أي ولا تخشَ عليه كما خشيت على يوسفَ من قبل (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ) أي لا أئتمنكم عليه إلا كما ائتمنتكم على أخيه يوسف من قبل، وقد زعمتم أنّكم تحفظونه، ففعلتم ما الله أعلم به، فلا أثق بكم ولا بحفظكم، ولكن أفوض أمري إلى الله (فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا) أي خير حافظ، وقرأ الأكثرون "خيرٌ حِفْظاً"، أي خير حفظا ممن سواه، فأستحفظه ابني (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فأرجو أن يرحمني ولا يصيبني ببنيامين، فتزدادَ مصيبته إلى مصيبة إلى يوسف (وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ) أي أمتعة الطعام التي حملوها من مصر (وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) أي مردودةً إليهم (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي) أيَّ شيء نريدُ ونطلُبُ وراءَ ما ذكرنا لك من كرم العزيز وإحسانه (هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) أي من كرم العزيز (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا) أي نجلب لهم المِيرَة وهي الطعام (وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) أي وِسْق بعير بمرافقة أخينا، وذلك على ما رُوي أن يوسف عليه السلام كان يعطى كل رجل حمل بعير (ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي يسير على العزيز لكرمه وإحسانه (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ) أي بعد ما فعلتم بيوسف (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ) أي تعطوني عهدا من الله أتوثق به من جهتكم، وذلك بأن يحلفوا بالله تعالى (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) أي ببنيامين ولترجِعُنَّه إلي (إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ) أي إلا أن تَهلِكوا جميعا، أو تُغلبوا بأمر لا طاقة لكم برده (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) أي أعطوه عهدهم الموثق باليمين (قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) أي مُطّلِع ورقيب (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ) أي لا تدخلوا مصر (مِن بَابٍ وَاحِدٍ) حذراً من أن تصيبهم العين، لأنّهم كُثْرٌ فتنتبه لهم الأعين، ولأنّهم صاروا معروفين بين أهل مصر، على خلاف المرة الأولى (وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) أي من أبواب كثيرة (وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ) أي لا أدفع عنكم بتدبيري هذا أمرا قدره الله، ولكن نحن مأمورون باتخاذ الأسباب، حتى إذا أصبتم بشيء لا تقولوا: وما أغنانا تدبيرك (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) أي الأمر له سبحانه يحكم على عباده بما يشاء، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي ثقتي به في كل ما آتيه أو أذره من الأسباب، فالأسباب إنما تجلب المنافع أو تدفع المضارَّ بإذن الله، فإذا لم يأذن صارت بلا جدوى (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) أي كل من أراد التوكل، لا على غيره؛ (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم) أي من الأبواب متفرقة (مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ) يعني ما كان لينفعهم ذلك بشيء، ولا ليدفع عنهم أي مكروه، ويجوز أن يكون المعنى: لما دخلوا كما أمرهم لم يُفدْهم ما فعلوه بشيء، لأنّهم قد أصابتهم اْلَمكاره (إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) أي ولكن هي حاجة في نفسه يعقوب: وهي شفقته عليهم، حيث رافقهم بنيامين، فوصاهم بما وصى (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ) أي ذو علم عظيم (لِّمَا عَلَّمْنَاهُ) أي من أجل تعليمنا إياه، ولذلك أخبرهم من أول مرة أنه لا يغني عنهم من الله شيئا، وإنما هي أسباب نفعلها (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون سر القدر، وأنه الأمور تجري كما أراد الله مهما اتُّخذَ من الأسباب.
تفسير سورة يوسف 69: مجيء الإخوة مع أخيهم بنيامين: 
قال تعالى: (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ، قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ، وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ * قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ، كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ، كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ، مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ، فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ، قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا، وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 69-77].
(وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ) أي ضم إليه أخاه بنيامين، روي أن أباهم أمرهم أن يبلِّغوا سلامه ملكَ مصر، وشكرَه لصنيعه مع أولاده، وأن يوسف عليه السلام بكى، وأضافهم وأكرم ضيافتهم وأنزلهم اثنين اثنين على مائدة، فبقي بنيامين وحده، فبكى، وقال: لو كان أخي يوسف حيا لجلست معه، فقال لهم يوسف: بقي أخوكم وحده، فقالوا: كان له أخ فهلك، قال: فأنا أُجلسه معي، فأجلسه، فلما كان الليل أمر كل اثنين أن يناموا على فراش، فبقي بنيامين وحده، فقال: هذا ينام معي على فراشي، فنام معه فجعله يضمه إليه، وأخبره بأنه أخوه (قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ) أي يوسف الذي تظن أنه هالك (فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) أي لا تحزن بصنيعهم فإن الله صانع ما يشاء (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ) أي أوفَى لهم كيلهم (جَعَلَ السِّقَايَةَ) وهي إناء كان يكيل به الطعام للناس، أي أمر فتيانه فجعلوا السقاية (فِي رَحْلِ أَخِيهِ) والظاهر أنه وضع السقاية مكيدة لِيُبْقِيَ على أخيه عنده، ولم يخبر أخاه بشيء من تلك المكيدة (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي نادى مُناد قائلا: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي أصحاب العير، وهي الإبل عليها الأحمال (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) والجملة مؤكدة بإن واللام، (قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم) أي مقبلين على المنادي وأصحابه (مَّاذَا تَفْقِدُونَ) ولم يقولوا: ما سُرقَ لكم تنْزيها لأنفسهم عما نُسب إليهم من السرقة (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ) أي المكيال الذي يكيل به الطعام (وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي من يأتِنا بالصواع ولو من عنده، أو يدلَّنا على سارقه نجعلْ له حمل بعير من الطعام مكافأة (وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) أي أنا ضامن وكفيل بذلك الحمل، أؤديه إليه (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ) أي بسرقة ولا غيرها (وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) أي ولم نسرق شيئا، وليست السرقة من شِيَمنا (قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ) أي ما جزاء السارق أو جزاء هذه الفعلة، أي في شريعتكم (إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ) أي في ادعائكم البراءة (قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) فأخذُه واسترقاقه جزاؤه (كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) ومن جملتهم من سرق، وفي ضمنه إصرار على البراءة مما اتُّهموا به من السرقة (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ) أي بدأ بتفتيش أوعية الإخوة العشرة، أي من أمره بالتفتيش، (قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ) بنيامين، وروي أنه قال لما بلغت النوبة بنيامين: ما أظن هذا أخذ شيئا، فقالوا: والله لا نتركه حتى تنظر في رحله، فإنه أطيب لنفسك (ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ) (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) يعني ذلك من كيدنا وتدبيرنا ليوسف ليُبْقِيَ على أخيه، حيث حَكَم عليهم بشريعتهم، لا بشريعة أهل مصر، وعلى هذا فما فعله بوحي من الله عز وجل (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) لأن جزاء السارق في دين الملك أن يُضرب السارق ويضاعف عليه الغُرم (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أي لكن أخذ أخاه بمشيئة الله (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) أي نرفعه حسب حكمتنا وعلمنا (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أي أرفعُ درجة منه في العلم والمنْزلة والمكانة، أو فوق كل ذي علم عليم هو الله عز وجل، وقرأ نافع وآخرون: "درجاتِ من نشاء" وفي الآية تنبيه على أن العلم هو سبب الرفعة في الدنيا والآخرة (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) أي أخوه الشقيق يوسف، يعني فليست سرقته ببدع لأن أخاه الشقيق قد سرق أيضا، أرادوا دفع خزي السرقة عنهم بنسبتها إلى الشقيقين؛ وذلك على ما روي أن يوسف عليه السلام كانت عمته تحضُنه، وكانت تحبه، حتى إذا ترعرع يوسف أتاها أبوه يعقوب، فقال: إليَّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة، فقالت: والله ما أنا بتاركته، فلما ذهب يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق، وكانت عندها، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: افتقدت منطقة أبينا إسحاق، فالتمسوها فوجدوها عند يوسف، فقالت: والله إنه لسَلْمٌ لي أصنع فيه ما شئت، فبقي يوسف عندها حتى ماتت؛ فلذلك نسبوا إليه السرقة (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) أي أسر يوسف في نفسه حزازة ما نسبوا إليه من السرقة (وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) لم يظهرها كأنه لا يعرف شيئا (قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا) أي منْزلة في السرقة وغيرها من الرذائل، والراجح أنه أسر أيضا هذه المقالة في نفسه (وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ) أي عليم بكذبكم في نسبة السرقة إلينا، وأن الأمر ليس كما تزعمون.
تفسير سورة يوسف 78: رجوع إخوة يوسف إلى أبيهم من دون بنيامين: 
قال تعالى: (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا، فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ، إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ، إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ * فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا، قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ، وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ، فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ، وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا، وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ، وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ، وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *) [سورة: يوسف - الآية: 78]
(قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا) أي يتعلل به عن أخيه الهالك ولا يستطيع فراقه (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ) أي بدلَه هو، فلسنا عنده في المحبة بمنْزلته (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي شأنك وديدنك الإحسان، فأحسن إلينا بأخذ أحدنا مكان هذا الولد، كما أحسنت إلينا بإكرام الضيافة وإيفاء الكيل (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ) أي نعوذ بالله أن نأخذ غير من سرق متاعنا، وإنما قال: من وجدنا ولم يقل من سرق، ليطابق الواقع، لأنه لم يسرق حقيقة (إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ) أي بمعاقبة غير الجاني، (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ) أي يئسوا من أن يجيبهم يوسف إلى مرامهم (خَلَصُواْ نَجِيًّا) أي اعتزلوا عن الناس متناجين في أمرهم (قَالَ كَبِيرُهُمْ) أي في السن كما هو الظاهر (أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ) أي عهدا موثقا بالأيمان (وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ) أي وتفريطكم وتقصيركم من قبل في شأن يوسف (فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ) أي فلن أفارق أرض مصر (حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي) أي بالذهاب إليه أي مع صفحه وعفوه (أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي) أي بأمر من عنده بتخليص أخينا بنيامين (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) لأنه يحكم بالحق والعدل (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) أي صواع الملك (وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا) أي بما رأينا من استخراج الصواع من رحله (وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ) أي لا نعلم الغيب، ولم نكن نعلم أنه سيسرق إذ أعطيناك الميثاق (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) أي أهل القرية، وهي مصر (وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا) أي وأصحاب العير الذين كانوا معنا (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) أكدوا صدقهم بإن واللام، وفرْقٌ عظيم بين قولهم هنا وقولهم السابق لما طرحوا يوسف في غيابة الجب: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (قَالَ) أي أبوهم، أي بعد ما وصلوا إليه وأخبروه بكل شيء (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) أي زينت لكم أنفسكم أمرا وسهلته لكم، ففعلتموه دون نظر في العواقب (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي حيلتي وأفضل لي، ولا حيلة لي سواه (عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) أي بأبنائه الثلاثة: يوسف وبنيامين والكبير الذي لم يبرح مصر (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) العليم بحال عباده الحكيم في تدبيره أمره، حيث يُنْزل البلاء ثم يكشفه برحمته إذا يشاء (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي أعرض عنهم وتركهم لِمَا سمعه منهم مما لا طاقة له بتحمله (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) أي يا أسفِي، الأسف شدة الحزن، ونادى الأسف مبالغة في إظهار الحزن، (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ) أي بسبب الحزن الشديد، وكان البكاء سببا لابيضاض عينيه لما قيل: إن البكاء إذا كثر محَق سواد العين (فَهُوَ كَظِيمٌ) أي ممتلئ غيظا ممسك له في قلبه (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ) أي لا تفتأ، وقد حذفت منه "لا" هنا، أي لا تزال (تَذْكُرُ يُوسُفَ) أي حزنا وتأسفا عليه (حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا) أي مريضا مشرفا على الهلاك (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) أي تموت، والحاصل حتى تشرف على الهلاك أو تَهلِك (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي) البث: تفريق الشيء، كأن حِمل الهم ثَقُل عليه فهو يفرقه بالشكوى (وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ) أي أن شكواي إلى الله لا إلى أحد سواه، فإنه وحده القادر على رفع هذا البلاء وكشف هذا الحزن (وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ) أي من لطفه ورحمته (مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي ما لا تعلمونه أنتم، فأرجو أن يلطف بي ويرحمني.
تفسير سورة يوسف 87: رجوع إخوة يوسف إلى يوسف وتعرفهم إليه: 
قال تعالى: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ، وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ، إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ * فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ، وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ، إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ؟ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي، قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا، إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا، وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *) [سورة: يوسف - الآية: 87-92].
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ) أي تعرفوا من خبرهما، والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ) أي لا تقنطوا من فرجه، ولا تقطعوا رجاءكم فيه (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) لجهلهم بالله وبصفاته وبأفعاله وحكمته في عباده، (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) أي الضر المتسبب من الجدب والقحط وقلة الطعام (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ) أي قليلة وحقيرة، وأصل الإزجاء الدفع، أي بضاعة مدفوعة لعدم الرغبة عنها لحقارتِها، قيل: وقد كانت بضاعتهم من الصوف والسمن (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) أي أتمه لنا كما لو كانت بضاعتنا جيدة (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) أي بالخير في الدارين (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) أي وقتَ كونكم جاهلين بقبح ما فعلتم، أي هل علمتم قبحَه، وفيه ما فيه من كرمه عليه الصلاة والسلام، حيث أقام لهم عذرهم وأقال عثرتَهم لما رأى انكسار قلوبَهم واستعطافهم له (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ) أصل هذا الكلام: أأنت يوسف؟ ثم أكد بإن فصار: إإنك يوسف، ثم أكد بضمير الفصل فصار: أإنك أنت يوسف، ثم أكد باللام فصار: أإنك لأنت يوسف؟ وإنما بالغوا في تأكيده: تعجبا واستغرابا (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي) أي أخي الشقيق بنيامين، وإنما قال وهذا أخي مبالغة في التوضيح، حتى لا يبقى عندهم أدنى شك (قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا) أي بالاجتماع بعد الفرقة والعزة بعد الذلة، أو قد من علينا بما شاء، ولا راد لفضله، تعريضا بما صنعوه (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ) أي بفعل ما يرضي ربه وترك ما يغضبه (وَيِصْبِرْ) على فعل الطاعات وترك المعاصي أو على المصائب والبلايا (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي أجرهم، أي من اتقوا وصبروا، وإظهارهم بوصف المحسنين تنبيها على أن الموصوفين بالصبر والتقوى هم المحسنون حقا (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا) أي فضلك واختارك (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) والحال أنا كنا خاطئين مذنبين في حقك متعمدين لأذيتك، (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي لا لوم ولا تأنيب، قد صفحت عنكم، لأن ذلك كان مرادا لله عز وجل (يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ) دعاء لهم بالمغفرة، واليوم على الراجح متعلق بقوله: "لا تثريب"، يعني لا أعاتبكم اليوم، ولكن أدعو لكم بالمغفرة (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فهو يتجاوز عما سلف منكم ولا يحاسبكم بشيء لكرمه وسعة رحمته.
تفسير سورة يوسف 93: مجيء البشير إلى يعقوب بقميص يوسف ورد بصره: 
قال تعالى: (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا، وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ، وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا، وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ، قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا، وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ، مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي، إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ *) [سورة: يوسف - الآية: 93-101].
(اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) أي يَصِرْ بصيرا، والظاهر أنه قميص كان يوسف عليه الصلاة والسلام لبِسه، وعن ابن عباس أنه القميص الذي كساه الله إبراهيم لما ألقي في النار كان عنده (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) أي بذراريكم ونسائكم أجمعين (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت من مصر (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) أي أشمها، قال ذلك لمن معه من الأولاد والنساء (لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ) أي تتهموني بفساد عقلي من الهرم (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ) أي في بعدك عن الصواب، كما كنت من قبل، بسبب إفراطك في محبة يوسف (فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ) أي من أتى بالقميص من أبنائه، و"أن" اطردت زيادتُها بعد لما (أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ) أي ألقى القميص على وجهه، والمُلقي إما البشير أو يعقوب نفسُه (فَارْتَدَّ بَصِيرًا) أي صار بصيرا بعد أن عمي تماما من كثرة الحزن والبكاء (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ومن ذلك أن يرد الله إلي يوسف، ويرفع شأنه في الدنيا (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) أي متعمدين للخطأ في حقك وحق يوسف (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ) أخَّر الاستغفار، إما لأن المقام يقتضيه، أو كما روي أنه أخره إلى وقت السحر حيث يستجاب الدعاء، ويجوز أن يكون المراد الدوام على الاستغفار (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يتجاوز عن الذنوب ويحسن إلى عباده مهما اقترفوه (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أي ضمهما واعتنقهما، أي بعد أن جمعوا أولادهم ونساءهم ومتاعهم ورحلوا إلى مصر (وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) أي من المكاره، والظاهر أنه استقبلهم خارج البلد، فضم أبويه واعتنقهما، ثم قال لهم: ادخلوا مصر آمنين، ويجوز أن يكون دخولهم عليه في مصر، ويكون معنى قوله: ادخلوا مصر: استقروا فيها آمنين، وهذا هو الذي نرجحه (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أي على السرير تكرمة لهما (وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) أي الأبوان والإخوة جميعا، والظاهر أنّ السجود كان بوضع الجباه على الأرض، تكريما ليوسف، وكان ذلك جائزا في شريعتهم، ويجوز أن يكون ركوعا وانحناء فقط (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) أي حيث رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر لي ساجدين (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) أي صدقا، والظاهر أن يوسف لم ينْسَ رؤياه، ويجوز أن يكون نسيها، لأنه رآها وهو صغير، ولبُعد العهد بينه وبينها، ولكن لما رآهم سجدوا تذكرها، وهذا أبلغ في عظمة المشهد، وفي تحقق وعد الله الصادق، (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) أي أحسن إليَّ ولطف بي (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ) أي البادية، لأنّهم كانوا رعاة إبل وغنم (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أي بعد أن حرَّش الشيطان وأفسد بيننا، وأسند ذلك إلى الشيطان لأنه أولا كان بوسوسته، وثانيا، وهو الأهم، تفاديا لتثريب إخوته، وإثارة الجرح في قلوبِهم، بعد أن تابوا إلى الله، وأتم الله النعمة، (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء) أي لطيف التدبير، ولكن كثيرا من الناس لا يشعرون، وما من شيء إلا ومشيئتُه فيه نافذة، فإلقاء يوسف في الجب كان من تدبير الحكيم العليم، ليصل إلى مصر، وفي مصر يرفعه الله ويعلو شأنه، ويسجد له إخوته وأبواه (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي العليم بعباده الحكيم فيما يدبره من أمورهم (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) من دعاء يوسف عليه السلام، دعا به ربه عز وجل لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه وأخويه، (وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) أي تعبير المنامات (فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي مبدعَهما وخالقهما (أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ) أي متولي أموري كلها (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا) أي اقبضني إليك وأنا مسلم، وليس معناه طلب التوفي، وإنما طلب التثبيت على الإسلام حتى يموت وهو مسلم، والمراد بالإسلام توحيد الله بالعبادة والانقياد له ظاهرا وباطنا (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي في جنة النعيم، والمراد من الصالحين: إخوانه من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ ويجوز أن يكون يوسف دعا بِهذا الدعاء في آخر عمره لما كبر، وسأل الله أن يتوفاه على الإسلام، والله الْمستعان.
تفسير سورة يوسف 102: تسلية فؤاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتكذيب قومه له: 
قال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ * أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي، وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى، أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا، فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء، وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ، مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى، وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 102]

(ذَلِكَ) أي الذي قصه الله على نبيه محمد K من أخبار يوسف وإخوته (مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ) أي التي لا سبيل لأحد إلى معرفتها (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) أي بواسطة الملك جبريل (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ) أي لدى إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ) أي على أن يجعلوا يوسف في الجب (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) أي يبغون بيوسف الغوائل (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) أي أكثر الناس لا يؤمنون ولو أظهرت لهم من الحجج القاطعة الدالة على صدقك ما أظهرت (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي لا تطالبهم على تبليغ رسالة ربك أجرا، فأنت بذلك تكلفهم غرامة ما يجعلون لك (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) أي تذكرة وموعظة لهم (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ) أي كم من علامة دالة على قدرتنا (فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) من الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار، وغيرها (يَمُرُّونَ عَلَيْهَا) أي يشاهدونَها، كما قال تعالى: "ولقد أتوا على القرية التي أُمطرت مطرَ السَّوْء، أفلم يكونوا يرونَها، بل كانوا لا يرجون نشورا" (وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) أي لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون ولا يتذكرون (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) أي يلبِسون الإيمان بالشرك، يؤمنون بأن خالقهم هو الله، ويشركون بعبادته غيره من الأنداد والطواغيت (أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ) أي ألا يخافون ما يغشاهم ويحل بِهم من العذاب جزاءً على إشراكهم (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي تقوم عليهم القيامة فجأة من غير سابق إنذار ولا إعلام (وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) أي بإتيانِها، فهم لم يُعِدّوا لها العُدّة اللازمة من العمل الصالح (قُلْ) أي يا محمدُ للمعرضين والمعاندين (هَذِهِ سَبِيلِي) أي سبيلي التي أتبعها وأدعو الناس إلى اتباعها، وهي سبيل الله (أَدْعُو إِلَى اللّهِ) أي أدعو الناس إلى عبادته وحده (عَلَى بَصِيرَةٍ) أي أدعو إليه على نور وهدى منه، (أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي أدعو إليه أنا ومن اتبعني من المؤمنين، ويجوز أن يكون قوله: "على بصيرة" متعلقا بما بعده، فيكون المعنى: أنا ومن اتبعني على بصيرة، أي على نور وهدى من الله فيما ندعو إليه، (وَسُبْحَانَ اللّهِ) أي أدعو إليه وأنزهه تنْزيها عما تشركونه به وعما تصفونه به (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي ولست واحدا منهم؛ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً) هو رد على طلب المشركين أن يكون الرسول ملكا (نُّوحِي إِلَيْهِم) وقرأ الأكثر: "يُوحَى إليهم"، (مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى) أي المدن لأن أهل القرية أحلم من أهل البادية، وأهل البادية جفاة القلوب (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) أي من المكذبين، وهذا حث لهم على الاعتبار بما حل بالمكذبين لأنّ أكثرهم ساروا في الأرض وشاهدوا ما حل بِالمكذبين، كما في قوله: "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء، أفلم يكونوا يرونَها" (وَلَدَارُ الآخِرَةِ) أي دار الحياة الآخرة، ويجوز أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي الدارُ الآخرةُ (خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ) أي اتقوا الشرك وغيره من الرذائل، أي خيرٌ لهم من متاع الدنيا الزائل، (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) فتُقدِّموا ما هو خير وأبقى وإن كان آجلا، على ما هو زائل وإن كان عاجلا، وذلك باتقاء الشرك والمعاصي (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) غاية لمحذوف دل عليه الكلام، والتقدير: لا تحزن على تماديهم على الإعراض والعصيان، فإن من قبلهم أيضا قد أعرضوا وكذبوا رسلهم، حتى إذا استأيس الرسل (وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ) والقراءة الأخرى: "كُذِّبُوا" أي وظن الرسل أن قومهم كذبوهم، والظن هنا بمعنى اليقين، وأما على القراءة الأولى فمعناه على غرار قولهم: "متى نصر الله"، أي ظنوا أنّهم قد أُخلفوا، روي ذلك عن ابن عباس، والمراد بالظن على هذا ما يخطر بالبال مما يشبه الوسوسة، أي فتأخر عليهم النصر حتى استشعروا القنوط، ويجوز أن يكون المعنى: ظن المدعوون أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النصر (جَاءهُمْ نَصْرُنَا) أي بعد القنوط واليأس، بإهلاك الكافرين، (فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء) أي من الرسل والمؤمنين، أي وأهلك الكافرون، وقرأ نافع وآخرون: "فنُنْجِي من نشاء"، (وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا) أي عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أي الْمُصِرّين على الإجرام، أي إذا قُضيَ نزول العذاب بِهم لا يرد (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ) أي قصص الأنبياء وأممهم (عِبْرَةٌ) أي اعتبار وعظة وتذكرة، والعبرة ما ينتقل به من حالة إلى أخرى، وهنا الانتقال من حالة الجهل إلى حالة العلم (لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) أي لأولي العقول السليمة من الأهواء (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى) أي يختلَق، أي القصص الذي أوحينا إليك، أو القرآن كله (وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية (وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ) أي وتبيين كل شيء مما يُحتاج إليه من أمور الدين (وَهُدًى) أي هداية من الضلال (وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنّهم هم الذين ينتفعون بمواعظ القرآن، فهو رحمة عليهم ونقمة على الكافرين.