البقرة 252 إرسال الرسل لهداية الخلق: (تِلْكَ
الرُّسُلُ) أي الذين أنت واحد
منهم وأفضلهم، والإشارة إليهم بالبعيد لبعد مكانتهم ومنْزلتهم عند الله (فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) بما شئنا وحسب علمنا وحكمتنا (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ) كموسى ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) كمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أرسله إلى العالمين كافة، وأنزل الله عليه أفضل الكتب، وخصه بمقام
الشفاعة، وإبراهيم الخليل، وأولي العزم الخمسة محمد وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ) أي الواضحات كإبراء الأكمه
والأبرص وإحياء الموتى (وَأَيَّدْنَاهُ
بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي جبريل، من يومَ
كان في المهد صبيا.
البقرة 253 اختلاف الناس من بعد الرسل: (وَلَوْ
شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم) أي من بعد الرسل، أي لو شاء عدم
تقاتلهم ما تقاتلوا، بأن يجعلهم متفقين على الحق (مِّن
بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) أي الحجج الْمُقنعة والمعجزات الظاهرة التي تُحق الحقَّ وتُبطل الباطل،
وتوجب اتباع الحق وتركَ الاختلاف والتنازع، الذي يكون سببا في الاقتتال (وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ) (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن
كَفَرَ) فلذلك وقع الاقتتال
(وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ) (وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) أي حسب علمه وحكمته، فلا معقب
لحكمه ولا راد لقضائه سبحانه.
البقرة 254 الحث على الإنفاق: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) أي من الأموال التي رزقناكم إياها، والإنفاق أعم من أن يكون فرضا أو ندبا
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) أي يوم القيامة، وتنكيره للتعظيم
(لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ) أي لا مودة ولا صداقة (وَلَا شَفَاعَةٌ) أي إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، والمراد بنفي البيع والخلة
والشفاعة، أن البيع وسيلة لجلب المنافع، والأصدقاء ملجأ لجلب المنافع، وهذان
الأمران منتفيان يوم القيامة؛ والشفاعة أن تستشفع بمن عنده جاه إلى غيرك، في قضاء
حاجة أو التجاوز عن زلة، وهذا الأمر مُنْتَفٍ أيضا يوم القيامة، حتى يأذن الله لمن
يشاء فيشفع لمن يشاء (وَالْكَافِرُونَ) أي الجاحدون لنعمه، يعني
فالمؤمنون المتقون ممتثلون وموفون، ينفقون مما رزقهم الله شكرا لنعمه، والكافرون (هُمْ الظَّالِمُونَ) لا يؤدون ما أوجب الله عليهم، فهم مُوعدون بأشد العذاب.
البقرة 255 آية الكرسي: كمال القدرة والربوبية: (اللّهُ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) أي لا معبود يستحق العبادة، أو
لا معبود أصلا إلا هو، فهو الواحد المتفرد بالربوبية والألوهية، وإن اتخذ المشركون
آلهةً من دونه (الْحَيُّ) أي الذي لا يموت (الْقَيُّومُ) أي القيم لغيره، فجميع الموجودات
مفتقرة إليه وهو غني عنها، ولا قِوام لها بدونه (لاَ
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) السِّنَة فُتُورٌ يتقدم النوم، فهو لا يغفل عن خلقه (لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) أي فكيف يغفل عنهما وما فيهما
لحظة، أو فكيف يكون شيء فيهما معبودا من دونه (مَن ذَا
الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) فيه رد لمزاعم الكفار أن آلهتهم تشفع لهم، وهذا من تمام عظمته وكبريائه،
أن لا يتجرأ أحد على الشفاعة بين يديه (يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) محيط بكل شيء علما، أي الشفعاء وغيرهم، كقوله تعالى: "يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا
شَاء) إلا بما أطلعهم الله عليه، (وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) ثبت في الحديث أن الكرسي بين يدي العرش، محيط بالسموات والأرض، وأن
السموات والأرض بالنسبة إلى الكرسي كحلْقة في فلاة، وأن الكرسي بالنسبة إلى العرش
كحلْقة في فلاة، والفلاة هي الصحراء الواسعة المتباعدة الأطراف، وأصل الكرسي ما
يُجلَس عليه، وروي عن ابن عباس أنه موضع قدميه سبحانه، وروي عن ابن عباس أيضا:
"وسع كرسيه السموات والأرض" قال: علمُه، والمقصود أن الله سبحانه محيط
بخلقه علما وقدرة (وَلاَ يَؤُودُهُ) لا يثقله (حِفْظُهُمَا) (وَهُوَ الْعَلِيُّ) أي مكانا ومكانة، أي بقدرته
وسلطانه، وملكه وقهره، متعال عن الأشباه والأنداد (الْعَظِيمُ) أي ذو العظمة والجلال والكبرياء. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن هذه أعظم آية في القرآن، وورد في فضلها أحاديث كثيرة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
البقرة 256 لا إكراه في الدين: (لاَ
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) خبر، أو خبر بمعنى النهي، أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في الدين (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) قد تبين وتميز الحق من الباطل
والصواب من الخطأ والهدى من الضلال (فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) أي الشيطان، أو كل معبود أو متبوع أو مطاع في غير ما أمر به الله (وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَىَ) أي تمسك بالسبب الذي
لا ينقطع الموصل إلى الله سبحانه (لاَ
انفِصَامَ لَهَا) أي لا انقطاع (وَاللّهُ سَمِيعٌ) أي لأقوال العباد (عَلِيمٌ) بأعمالهم ونياتِهم فيجازيهم
بِها. وهذه الآية إما أنَّها محمولة على أن الإكراه لا جدوى منه لمن طُمست بصيرته،
لأن الحق بين، والله هو الهادي، أو هي منسوخة بالأمر بالقتال، وإظهار الغلظة
للكفار والمنافقين، ومقاتلتهم حتى يسلموا، أو حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون، كما في شأن أهل الكتاب، وهناك قوم
يقادون يوم القيامة إلى الجنة بالسلاسل، والله أعلم.
البقرة 257 الله ولي المؤمنين والشيطان ولي الكافرين: (اللّهُ
وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) أي متولي أمورهم ومعينهم (يُخْرِجُهُم
مِّنَ الظُّلُمَاتِ) أي ظلمات الكفر
والجهالة والشبهات والشهوات (إِلَى
النُّوُرِ) نور الإيمان والعلم
والحق والتُّقى، وجمعت الظلمات لكثرة طرق الضلال وتعددها، وأفرد النور لأن الحق
واحد لا يتعدد، قال تعالى: "ولا تتبعوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكم عن
سبيله"، (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ) أي الشياطين وسائر
المضلين، وعبر بالأولياء بالجمع لكثرتِهم، وأخبر عنهم بالمفرد، لأنَّهم خُدَّام
لطاغوت واحد هو إبليس، أو بتقدير: أولياؤهم الطاغوت وجنوده، وقرئ:
"الطواغيتُ"، (يُخْرِجُونَهُم
مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ) لا يخرجون منها
أبدا.
البقرة 258 دلائل القدرة الربانية والبعث: ذكر نمرود
وادعاؤه الربوبية: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي
رِبِّهِ) أي ألم ينته علمك
إلى قصة هذا الكافر العنيد، الذي خاصم إبراهيم في ربوبية ربه، وهو نَمرود بن
كنعان، والمراد التعجيب من أمره (أَنْ
آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ) أي لأجل أن آتاه الله الملك، أي ما حمله على هذا الطغيان إلا ما آتاه
الله من الملك (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي
يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي الذي يخلق الحياة
والموت في الأجساد، فحدوث الأشياء بعد عدمها وعدمها بعد وجودها دليل وجوده وقدرته (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) روي أنه أوتى برجلين قد استحقا
القتل، فأمر بقتل أحدهما فقتل، وأمر بالعفو عن الآخر فلم يقتل، فقال ذلك (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ
مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) وقد قيل: كان يمكن للكافر أن يقول لإبراهيم: أنا الذي آتي بِها من المشرق
فأْمُرْ ربَّك أن يأتي بِها من المغرب، والجواب أنه لما قتل أحد الرجلين في المرة
الأولى ليثبت ربوبيته للكون، ألزم بأن يفعل الأمر نفسه بشأن الشمس، فكان ملزما بما
ألزم به نفسه، فلذلك بُهِتَ وتحير، وإلا لكان يمكنه حتى في المسألة الأولى أن
يكتفي بالقول ولا يحتاج إلى قتل أحد الرجلين وإحياء الآخر، (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أي صار مبهوتا مغلوبا بقيام الحجة عليه، وذكره بالموصول للتشنيع عليه (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لأنّهم يتبعون الأهواء فتصدهم عن
الحق.
البقرة 259 دلائل القدرة الربانية والبعث: ذكر عزير نبي
الله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ) الكاف للتنبيه على تعدد أمثال
هذه القصص، أو زائدة (وَهِيَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) أي خالية من أهلها، ساقطة جدرانُها على سقوفها، والمراد بالقرية بيت
المقدس بعدما خربِها كافر يدعى بُخْتَنَصَّرَ، والذي مر هو نبي الله عُزَيْرٌ (قَالَ أَنَّىَ) كيف (يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) أي بعد تخريبها (فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ
كَمْ لَبِثْتَ)؟ (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) أي أقل من يوم (قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) طعام حمله معه، لم يتغير مع طول
المدة (وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) أي كيف مات وتفرقت عظامه (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ) أي فعلنا بك ما ترى لتعاين
قُدرتنا وليهتدي بك الناس (وَانظُرْ
إِلَى العِظَامِ) أي عظام الحمار (كَيْفَ نُنشِزُهَا) نرفعها من الأرض ثم نردها إلى أماكنها، وقرأ آخرون منهم نافع: نُنشرُها أي
نحييها (ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا)؛ أي فأحيا الله الحمار (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن جملة ذلك إحياء هذه القرية.
البقرة 260 دلائل القدرة الربانية والبعث: ذكر إبراهيم
وإحياء الموتى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي
الْمَوْتَى) سأل عن الكيفية،
ليقف على حقيقة الإحياء، ويدل عليه قوله: (قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِن)، أي أتسأل ولم تؤمن بأني
قادر على الإحياء (قَالَ بَلَى) قد آمنت (وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي يسكن قلبي بالمشاهدة، وقال
مجاهد: ليزداد إيماني؛ ولم يشك قط، وفي الصحيح: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ
قال رب أرني كيف تحيي الموتى"، أي وأنا لم أشك فكيف يشك إبراهيم (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ) من صاره يصوره أي
قطَّعه أو أماله إليه، أي ضُمَّهن إليك، وأوثقهن واذبحهن وقطعهن، وذكروا أنه خلط
بعضهن ببعض (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِّنْهُنَّ جُزْءًا) (ثُمَّ ادْعُهُنَّ) أي نادِهِنَّ (يَأْتِينَكَ
سَعْيًا) أي ساعيات ومسرعات (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ) أي غالب على أمره لا يعجزه (حَكِيمٌ) حيث جعل للأمور أسبابَها التي تتقدمها، حسب حكمته.
البقرة 261 الحث على إنفاق المال: (مَّثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) أي في وجوه الخير، ومن جملتها
الجهاد في سبيل الله، يعني مثل ما ينفقون في ثوابه (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ) إسناد الإنبات إلى الحبة إسنادٌ
إلى السبب، لأن المنبت حقيقةً هو الله (فِي
كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ)، وهذا الثواب لا يقتصر على الإنفاق، بل هو ثابت لكل الأعمال الصالحة، كما
في الحديث الصحيح "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف"،
وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة، فإن فيه أن الأعمال الصالحة
ينميها الله عز وجل لأصحابِها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة (وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء) أي من عباده بحسب اختلاف أحوالهم
وأحوال الأعمال، (وَاللّهُ وَاسِعٌ) أي واسع الفضل (عَلِيمٌ) بعباده وبأعمالهم ونياتِهم، فيجازيهم وَفقَ ذلك.
البقرة 262 آداب الإنفاق (النهي عن المن والأذى): (الَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا
أَنفَقُواُ مَنًّا) المن هو ذكر الإحسان
وعدُّ صنائع المعروف (وَلاَ
أَذًى) أي ما يؤذي كأن
يتفاخر ويتطاول عليه بما أنفق عليه (لَّهُمْ
أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ) (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ) أي يوم القيامة (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ) أي معروف حسنُه بالشرع والعقل السليم، وهو الكلام الطيب، كأن يقول: يسَّر
الله عليك (وَمَغْفِرَةٌ) أي الستر والتجاوز عما يصدر من
السائل من الإلحاف وغيره (خَيْرٌ
مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى) أي من المتصدِّق لمن يسأله (وَاللّهُ
غَنِيٌّ) أي عن مثل هذه
الصدقة، قادر على أن يغني عباده بما يشاء (حَلِيمٌ) لا يعاجل بالعقوبة.
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم) أي ثوابَها (بِالْمَنِّ وَالأذَى) (كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء
النَّاسِ) أي لأجل مراءاة
الناس، أي أن يريهم ويظهر لهم أنه يريد وجه الله، ولكنه إنما يريد مدحَ الناس، وأن
يشتهر بينهم بالصفات الجميلة، راءاه: أظهر له خلاف ما هو عليه، يعني لا تبطلوا
صدقاتكم بالمن والأذى كإبطال المرائي لها بريائه (وَلاَ
يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فهو لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا (فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ صَفْوَانٍ) حجر أملس (عَلَيْهِ تُرَابٌ) أي يسير (فَأَصَابَهُ وَابِلٌ) مطر شديد (فَتَرَكَهُ صَلْدًا) أي أملس لا شيء عليه (لاَّ
يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ) أي ما كسبوه من الأعمال الصالحة، أي لا يمسكون من ذلك على شيء، والمراد:
لا يجدون له ثوابا عند الله، لأنّهم لم يعملوه ابتغاء وجهه (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) وفيه تنبيه إلى أن المن والأذى
والرياء من صفات الكفار، فلا ينبغي للمؤمن أن يتصف بشيء منها.
البقرة 264 فضل النفقة ابتغاء رضى الله: (وَمَثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ) أي طلبا لرضاه (وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) أي تثبيتا لأنفسهم وتوطينا لها
على الإيمان والطاعة، على أن من بمعنى اللام، فإن فعل الطاعات يثبت النفس على
فعلها، أو التقدير: وتثبيتا للإيمان من أنفسهم (كَمَثَلِ
جَنَّةٍ) أي بستان كائنٍ (بِرَبْوَةٍ) وكذا قرأ عاصم وغيره، وقرأ الأكثر "برُبوة" بالضم، أي بمكان
مرتفع من الأرض، وذلك أن الرُّبى تكون ألطف هواء، فتكون أشجارها أزكى ثمرا وأجمل
منظرا، (أَصَابَهَا وَابِلٌ) أي مطر شديد (فَآتَتْ أُكُلَهَا) أي ثمَرها، وقرأ نافع وغيره: "أُكْلها" (ضِعْفَيْنِ) أي بسبب إصابة الوابل لها (فَإِن
لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) أي فطل يصيبها، والمراد به الرَّذاذ، وهو اللين من المطر (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي فيجازي كُلاًّ حسب عمله،
وحاصله أن نفقة هؤلاء زاكية، يتقبلها الله وينميها، وإن اختلفت أحوالهم ومراتبهم
في الإخلاص، والتعب في جمع المال، وإنفاقه على حبه، وإيقاع النفقة في محلها اللائق
بِها.
البقرة 265 إحباط نفقة المرائي يوم القيامة: (أَيَوَدُّ
أَحَدُكُمْ) أي ما يحب،
فالاستفهام للإنكار (أَن
تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا) من تحت أشجارها (الأَنْهَارُ) أي مياه الأنْهار، وهو مجاز مرسل، لأن الأنْهار لا تجري، وإنما المياه
تجري فيها (لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) أي صنفٌ من كل الثمرات (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ) أي الشيخوخة (وَلَهُ
ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء) لا يقدرون على الكسب
(فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ) أي زوبعة، وهي ريح تستدير كأنّها عمود، وتحمل معها التراب (فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) أي فأحرقها (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ) لكي تتفكروا فيها
وتعملوا بموجبها؛ وهذه الآية تنبيه لأولئك الذين ينفقون أموالهم بالمن والأذى
والرياء على ما سيصيبهم من الحسرة والأسف على بطلان أعمالهم يوم القيامة؛ وقال ابن
عباس: ضربت مثلا لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي
حتى أغرق أعماله؛ رواه البخاري.
البقرة 267 النهي على الإنفاق من الرديء: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) أي من أطيب المال وأجوده،
والمراد بالكسب التجارة ونحوها (وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) من الحبوب والثمرات (وَلاَ
تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) أي لا تقصدوا الردئ (وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ) لو أُعطي لكم (إِلاَّ
أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ) أي إلا أن تغمضوا أعينكم فتأخذوه، وهو كناية عن التساهل والتغافل في أخذ
الشيء الذي هو غير مرغوب فيه (وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ) أي غني لا يناله شيء من صدقاتكم، ولكن يناله التقوى منكم بامتثال أوامره،
فكيف تتقربون إليه بالرديء، أو يستطيع إغناء عباده بما يشاء، فلا حاجة به إلى
الرديء (حَمِيدٌ) أي محمود في الأولين والآخرين، ومحمود على كل أفعاله، فلا يحتاج إلى شكر
أحد أو ثناء من أحد، وهذا من تمام غناه سبحانه، والإنفاق هنا أعم من أن يكون واجبا
أو مندوبا، لكن وجوبه مخصوص بما خصصته السنة النبوية من عدم وجوب الزكاة في
الخضروات والخيل والرقيق وغيرها.
البقرة 268 إنفاق المال، وإنفاق العلم: (الشَّيْطَانُ
يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي يخوفكم من الفقر إذا أنفقتم (وَيَأْمُرُكُم
بِالْفَحْشَاء) أي ما تناهى قبحُه
من المعاصي والمآثم، ومن ذلك البخل بالإنفاق، وإنفاق الأموال فيما لا يُرضي الله (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً) أي عظيمة (مِّنْهُ وَفَضْلاً) أي رزقا من لدنه، أو خلَفا لما أنفقتم (وَاللّهُ
وَاسِعٌ) أي واسع الفضل
والعطاء (عَلِيمٌ) بما أنفقتم فيُخلفكم إياه (يُؤتِي
الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ) أي العلم النافع، أو المعرفة بالقرآن، وهو بعض أفراده، أو التفقه في
أسراره، وفي الصحيح: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلَكته
في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بِها ويعلمها، أو الإصابة في القول
والعمل (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا) (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) أي لا يتعظ بالمواعظ إلا ذوو
العقول السالمة من شوائب الأوهام واتباع الأهواء.
البقرة 270 الحث على الإنفاق والوفاء بالنذر: (وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ) أي قليلة كانت أو كثيرة، طيبة أو خبيثة، سرا أو علانية (أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ) النذر ما يلزم به المرء نفسه
ويقدمه لله، كأن يقول: إن شفى الله فلانا فعلي مائة درهم، والنذر منهي عنه، لأنه
لا يغير شيئا من القدر، وفي الحديث الصحيح: "لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ
النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ
الْبَخِيلِ"، والوفاء به واجب، والوفاء به أيضا من صفات المؤمنين، قال تعالى:
"يوفون بالنذر" (فَإِنَّ
اللّهَ يَعْلَمُهُ) أي فيثيبكم عليه (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) أي من ينصرهم وينقذهم من العذاب،
والمراد كل ظالم، وهو الواضع للشيء في غير موضعه اللائق به، ويدخل فيه: البخيل،
والمنفق للرديء، والذي ينفق في المعصية، والذي لا يوفي بالنذر.
البقرة 271 فضل إخفاء الصدقات: (إِن
تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ) أي إن تظهروها وتعلنوا بِها (فَنِعِمَّا
هِيَ) أي فنعمَ ما هي، أي فنعمَ
الصدقاتُ هي، (وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاء) أي تُعطوها إياهم،
وتخصيص الفقراء بالذكر اهتماما بشأنِهم (فَهُوَ
خَيْرٌ لُّكُمْ) أي من إظهارها، لأن
الإخفاء أبعد عن الرياء إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به،
وفي الحديث الصحيح: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا
ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وذكر منهم: رَجُلٌ تَصَدَّقَ فأَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ
شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ" (وَيُكَفِّرُ
عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ) أي والله يكفر عنكم من سيئاتكم، أي ذنوبكم التي تسوؤكم، وقرئَ
"ونُكَفِّرُ" وقرأ نافع: "ونُكفِّرْ" (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي لا يخفى عليه شيء، وسيجزيكم
عليه.
البقرة 272 الحث على الإنفاق: (لَّيْسَ
عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) أي أن تَهديَ الناس إلى
الطريق المستقيم، والتحلي بالفضائل من الإنفاق من الطيب، أو التخلي عن الرذائل من
المن والأذى والرياء في الصدقات، إنما عليك البلاغ فقط (وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ) أي مال (فَلأنفُسِكُمْ) أي فنفعه لكم (وَمَا
تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ) أي تطلبون بإنفاقكم رضاه، أو ما ينبغي أن يكون إنفاقكم إلا طلبا لرضاه،
فكيف تنفقون من الخبيث أو تبطلون ما أنفقتم بالمن والأذى والرياء، ويجوز أن يكون
خبرا بمعنى النهي، أي لا تنفقوا إلا طلبا لرضاه، (وَمَا
تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي تُؤْتونَ أجره وافيا (وَأَنتُمْ
لاَ تُظْلَمُونَ) أن لا تُنقَصون شيئا
من ثوابكم.
البقرة 273 فضل الفقراء المتعففين: (لِلْفُقَرَاء) أي اجعلوا ما تنفقونه للفقراء (الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) أي فقراء المهاجرين، الذين
حُبِسوا من أجل الجهاد والتعلم، (لاَ
يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ)
أي سفرا في طلب الرزق والمعاش، لما
حُبسوا من أجله، وهذه الآية في أهل الصُّفَّة، كانوا يسكنون في صفة مسجد رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان منهم أبو هريرة الصحابي رضي الله عنه (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ) أي الجاهل بحالهم (أَغْنِيَاء
مِنَ التَّعَفُّفِ) أي من تعففهم عن
مسألة الناس (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ) أي بعلامتهم الظاهرة، من الجهد
ورثاثة الهيئة (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) أي لا يسألون إلحاحا إذا سألوا،
أو لا يسألون الناس أصلا، وفي الصحيح: ليس المسكين بِهذا الطواف الذي ترده التمرة
والتمرتان، واللُّقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى
يُغنيه، ولا يُفطَن له فيُتصَدَّقَ عليه، ولا يقوم فيسأل الناس (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ
عَلِيمٌ) فيثيبكم عليه
ويُخلفكم إياه.
البقرة 274 تبشير المنفقين: (الَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) يعني في كل أوقاتِهم وأحوالهم (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ) أي فهو مضمون عند من لا يُخلف
الوعد (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ) أي عندما يحزن الناس
مما يفوتُهم من الثواب، ويخافون مما ينتظرهم من العقاب. وفي الصحيح عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال الله عز وجل: يا ابن آدم، أَنفق أُنفقْ عليك، وقال: يد الله ملأى
لا تَغيضها نفقة، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء
والأرض، فإنه لم يَغضْ ما في يده (أي لم ينقص)، وكان عرشه على الماء، وبيده
الميزان يخفض ويرفع.
البقرة 275 وعيد من يأكل الربا: (الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا) أي يأخذونه، والتعبير بالأكل لأنه هو المقصود الأول، والربا لغة: الزيادة،
والمراد به تعويض مال ربوي بمال من جنسه مع التفاضل، أو بالنسيئة، أي تأخير
التقابض، كالفضة بالفضة متفاضلا، أو الذهب بالذهب متفاضلا، أو كالذهب بالفضة مع
النسيئة، والذي ذكر هنا هو من ربا التفاضل، لأن الدائن يأخذ فضلا من المدين من جنس
النقود التي استدانَها منه، والأموال الربوية هي الأموال التي تجب فيها الزكاة،
غيرَ بَهيمة الأنعام لأنه لا ربا في الحيوان (لاَ
يَقُومُونَ) أي يوم القيامة من
قبورهم (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) أي المصروع الذي أصيب بمس من الجنون، والتخبط أصله الضرب (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ
الرِّبَا) أي لا فرق بينهما،
فكما يجوز بيع سلعة قيمتها درهمٌ بدرهمين، فكذلك يجوز بيع درهم بدرهمين (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) رد عليهم وإبطال لقولهم وإفساد
لقياسهم.
توضيح للأموال الربوية: في الصحيح قال رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم: الذهب بالذهب، والفضة
بالفضة؛ والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر
بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا
بيد. وقال: لا تبيعوا الذهب بالذهب
إلا مثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعض، ولا
تبيعوا الورِقَ بالورِق إلا مثلا
بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز. وعلى هذا فالربا يجري في النقود،
والأطعمة التي تُكال وتُدَّخر، فمن باع نقدا بنقد من صنفه متفاضلا أو نسيئة، فهو
ربا، ومن باع نقدا بنقد من غير صنفه متفاضلا جاز، ولا تجوز النسيئة، وكذلك أصناف
الأطعمة، أما بيع الأطعمة بالنقود فيجوز فيه التفاضل والنسيئة، وإذا استدان امرؤ
من امرئ دينا، مقابل زيادة، فهو من التفاضل المنهي عنه.
البقرة 275 وعيد أكَلَة الربا وحثهم على التوبة: (فَمَن
جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ) أي لا مؤاخذة عليه، فلا
يستَرَدُّ منه ما أخذ من قبل، أما ما كان بعدَ هذه الآية فهو يستردّ، ويبين هذا
قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع: ألا وإن كل ربا في
الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، وأول ربا أضَعُهُ ربا العباس
بن عبد المطلب (وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ) أي فيما بينه وبين ربه، أي حسابه
على الله، (وَمَنْ عَادَ) أي إلى أخذ الربا بعد الموعظة،
أو إلى اعتقاد حِلِّه (فَأُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) والخلود إنما يكون جزاء للكافر، ولا يكفر إلا باعتقاد حِلِّ الربا، وإن
كان الوعيد على الأخذ دون اعتقاد الحلٍّيَّة، فهو محمول على المبالغة في الزجر،
لما عُرف في الأصول من أن المؤمن لا يخلد في النار، أو لأنه لا يأخذُه في الغالب
إلا معتقد الحليَّة، والله أعلم.
(يَمْحَقُ
اللّهُ الْرِّبَا) أي يذهب بركته (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يبارك في المال الذي أخرجت منه، وفي الحديث: "ما نقص مال عبد من
صدقة" (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ) منهمك في الآثام (إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ
الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ
وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) أي عند المدينين (إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ
اللّهِ وَرَسُولِهِ) أذن بالشيء علم به،
أي أيقنوا بِها، قال ابن عباس: فمن كان مُقيما على الربا لا ينْزع عنه، كان حقا
على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) أي ما أعطيتم، يُرد عليكم فحسبُ
(لاَ تَظْلِمُونَ) أي المدينين بأخذ الزيادة منهم (وَلاَ
تُظْلَمُونَ) بنقص رؤوس أموالكم.
البقرة 280 حث الدائنين على إنظار المعسرين: (وَإِن
كَانَ ذُو عُسْرَةٍ) أي إن كان ذو عسرة
هو غريمَكم المطالَبَ بتسديد الدين، (فَنَظِرَةٌ
إِلَى مَيْسَرَةٍ) أي فعليكم إنظاره
وإمهاله إلى وقت اليسار، وكان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين:
إما أن تَقضي وإما أن تُربي، أي تزيد، (وَأَن
تَصَدَّقُواْ) أي أن تتصدقوا على
أولئك الغارمين الْمُعسِرين (خَيْرٌ
لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) لأن ما عندكم ينفد، وما عند الله يبقى لكم ذُخرا، والآخرة خير وأبقى (وَاتَّقُواْ
يَوْمًا) أي يوما عظيما وهو
يوم القيامة، حيث تدنو فيه الشمس من العباد (تُرْجَعُونَ
فِيهِ إِلَى اللّهِ) للحساب والجزاء (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ) أي تُعطى جزاء ما كسبت وافيا كاملا
(وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) وفي الحديث الصحيح: "من أنظر معسرا أو وضع عنه، أظله الله في ظله
عرشه يوم لا ظل إلا ظله".
البقرة 282 استحباب كتابة الديون: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم) أي داين بعضكم بعضا (بِدَيْنٍ
إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) أي الدينَ مع أجل تسديده، والأمر
للإرشاد لا للإيجاب (وَلْيَكْتُب
بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) كاتب يسوي بينكما، فلا يقع منه ميل إلى أحد بزيادة أو نقص (وَلاَ يَأْبَ) لا يمتنعْ (كَاتِبٌ
أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ) لأجل تعليم الله إياه، وهذا من شكر النعمة، أن يكون في عون الناس بما
أنعم الله به عليه (فَلْيَكْتُبْ) الكاتب (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) الإملال: الإلقاء على الكاتب،
وتبدل لامه ياء، أملى يُملي إملاء، ومن أجل أنه هو المطالب بتسديد الدين أُسند
إليه الإملال ليكون ما أمله حجة عليه (وَلْيَتَّقِ
اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ) لا ينقُص من الحق (شَيْئًا) ولو حقيرا (فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ
ضَعِيفًا) لجهله أو كونه صبيا
أو شيخا (أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ) لعارض من العوارض كالخَرَس (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) أي من يتولى أمره أو وكيله.
البقرة 282 الإشهاد على الديون: (وَاسْتَشْهِدُواْ) أي أشهدوا على الدَّيْن (شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) أي بالغين عاقلين (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ) المراد فإن لم تجدوا رجلين (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) كائنون أو مُختارون (مِمَّن
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) أي يشهدون؛ (أَن
تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) أي جعلنا مكان الرجل الواحد امرأتين خشيةَ أن لا تَهتديَ، أو أن تنسى إحداهما
(فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) وفي قراءة ابن مسعود: فتذكرَها
الأخرى، أي بالحال والمقال، لكن إنْ لم تتذكر، هل تقبل شهادة الواحدة؟ الراجح
أنّها تقبل مع شهادة الرجل، وإن كانت ممتنعة أولا، لأنّها لو كانت واحدة فنسيت،
بقيت شهادة الرجل وحده، وقد قيل: إن النسيان في النساء راجع إلى كثرة الرطوبة في
أمزجتهن، والله أعلم.
الإشهاد على الديون والبيوع: (وَلاَ
يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ) أي للإدلاء بالشهادة، أو لتحملها أولا (وَلاَ
تَسْأَمُوْاْ) لا تمَلوا من (أَن تَكْتُبُوْهُ) أي الدَّيْن (صَغِيرًا
أَو كَبِيرًا) أي قليلا أو كثيرا (إِلَى أَجَلِهِ) متعلق بمحذوف تقديره: مستقرا في ذمة الْمَدين إلى أجله (ذَلِكُمْ) أي ما تقدم من الحث على الكتابة وضبطها والإشهاد واختيار المرضيين من
الشهود (أَقْسَطُ) أعدل (عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ) أثبت لها (وَأَدْنَى) أقرب (أَلاَّ تَرْتَابُواْ) أي تشكوا في مقدار الدين أو أجل
تسديده (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً) أي اكتبوا ما تداينتم به، إلا أن
تكون المعاملةُ تجارة حاضرة، وقرأ نافع: تجارةٌ حاضرةٌ (تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ) أي تتعاطونَها يدا بيد (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا) أي لا إثم ولا ضرر عليكم في عدم
كتابتها (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) إرشاد إلى فضل الإشهاد على
البيوع.
النهي عن الإضرار بالشهود: (وَلاَ
يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) نَهي عن إلحاق الضرر بِهما، لأنِهما مُحسنين بعملهما، فلا يجوز إلحاق
الضرر بِهما، أو نَهاهما أن يضارا بغيرهما، فعلى الأول: كأن يعجلا عن قضاء
أغراضهما، أو بتكليفهما تحمل مشقة السفر ومؤونته من بلد بعيد، وعدم إعانتهما، وعلى
الثاني: بتحريف الكاتب ما كتب إما بزيادة في الحق أو نقصان، أو بامتناع الشاهد أن
يُدلي بشهادته؛ (وَإِن تَفْعَلُواْ) أي ما نُهيتُم عنه (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي خروج عما يستوجبه الإيمان من
الطاعة والامتثال (وَاتَّقُواْ اللّهَ) أي اتقوا عذابه وسخطه بطاعته
وعدم مخالفته (وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) أي وهو يعلمكم شرائع دينه،
فعليكم أن تتقوه ولا تستهينوا بأوامره (وَاللّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) بكل ما تأتون وتذرون، أو بما في قلوبكم من النيات الصالحة أو غيرها،
فيجازيكم على ذلك.
البقرة 283 ما جاء في الرهن: (وَإِن
كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ) أي مسافرين (وَلَمْ
تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ) أي تحل محل الكتابة والشهود، وظاهر الآية يدل على أن الرهن إنما يجوز في
السفر، وعند فقد الكاتب، لكن قد بينت السنة النبوية أن ذلك يجوز أيضا في الحضر،
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، فرهنه درعه (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا) أي أمن الدائن المدين، فاكتفى
بذاك عن الكتابة والشهود والرهن (فَلْيُؤَدِّ
الَّذِي اؤْتُمِنَ) أي المدين (أَمَانَتَهُ) أي ما اؤتمن عليه وهو الدين (وَلْيَتَّقِ
اللّهَ رَبَّهُ) في عدم رد الحق أو
إنكاره (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ) نَهي للشهود عن إخفاء الشهادة (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) لأن القلب هو الآمر (وَاللّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فيجازيكم بأعمالكم.
البقرة 284 ما جاء في المحاسبة على ما توسوس به الأنفس: (لِّلَّهِ
ما فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) أي له وحده لا يَشرَكه غيرُه في ذلك بحال، فيتصرف في ملكه كيف يشاء،
ويتصرف في عباده بالأمر والنهي، ويعلم ما يخفون وما يظهرون (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ) من الصفات الذميمة كالحسد
والكبر، بالكلام أو بالعمل الذي يُعَبِّرُ عن مكنون الأنفس (أَوْ تُخْفُوهُ) بأن لا تتكلموا ولا تعملوا ما هممتم به (يُحَاسِبْكُم
بِهِ اللّهُ) لأنه يعلم مكنون
نفوسكم أظهرتموه أو أخفيتوه، (فَيَغْفِرُ
لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء) حسب ما يقتضيه علمه، وقرأ نافع وآخرون "فيغفِرْ" بالجزم، (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن جملة ذلك تعذيب من يشاء
والتجاوز عمن يشاء. وهذه الآية منسوخة بالآية التي بعدها كما سيأتي، وثبت في
الحديث الصحيح: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسَها ما لم تعمل أو
تَكَلَّمْ.
البقرة 285 ما جاء في الإيمان: (آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) (كُلٌّ) كل مؤمن (آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ) (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) أي فنؤمن ببعض ونكفر ببعض، أي
يقولون ذلك؛ في صحيح مسلم لما نزلت (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به
الله) اشتدت على الصحابة فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة
والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل
قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فقالوها، قال تعالى: (وَقَالُواْ سَمِعْنَا) قولك (وَأَطَعْنَا) أمرك (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا) أي نسألك غفرانك (وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ) أي المرجع يوم
القيامة فتحاسبَنا، أي فتجاوز عنا. فلما اقترأها القوم ذلت بِها ألسنتهم، فأنزل
الله عز وجل " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " إلى آخر السورة.
البقرة 286 ما جاء في التخفيف على هذه الأمة: (لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) أي ما تطيقه، وهذه مبينة لما كان أشفق منه الصحابة من المحاسبة على ما
تكنه الأنفس، وأن الله تعالى لن يحاسبهم بما لا سبيل لهم إلى دفعه من الوساوس، ما
لم يعلموا أو يتكلموا (لَهَا) ثواب (مَا كَسَبَتْ) أي من الصالحات (وَعَلَيْهَا) وزرُ أو عقاب (مَا اكْتَسَبَتْ) أي من السيئات والمعاصي، والمراد أنه وقع التكليف بما يُطاق، وكل نفس
ستجازى على عملها (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا) دعوا ربَّهم أن لا
يؤاخذهم على النسيان والخطأ كما رفع عنهم المؤاخذة على ما توسوس به الأنفس، وكل
الثلاثة خارج عن الطاقة، فاستجاب الله دعاءهم، كما في صحيح مسلم: "ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال قد فعلت. (رَبَّنَا
وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا) أي عِبئاً، والمراد ما يشق من التكاليف (كَمَا
حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا) (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ
طَاقَةَ لَنَا بِهِ) أي من التكاليف، أو
من العقوبات جزاء وفاقا على الإخلال بالتكاليف، وقد استجاب الله دعاءهم كما في
صحيح مسلم: قال: قد فعلت (وَاعْفُ
عَنَّا) العفو محو الذنوب (وَاغْفِرْ لَنَا) المغفرة هي الستر، لكن يراد بِها العفو والتجاوز (وَارْحَمْنَآ) أي أحسن إلينا (أَنتَ
مَوْلاَنَا) أي متولي أمورنا
ومالكنا (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ) أي أعدائنا الذين
يحاربوننا في الدين والملة. آمين. وقد ثبت في الصحيح أن من قرأ الآيتين من آخر
سورة البقرة في ليلة كفتاه، فاللهم لك الحمد.
انتهى بفضل الله تفسير سورة البقرة،
ويليه تفسير سورة آل عمران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق